الناس دائماً يحتاجون إلى وجود الشخص الرمز في حياتهم، سواء اليوم أو غداً أو إلى ما شاء الله، وحدها الروبوتات من لا تحتاج إلى شيء، لأنها لا تشعر بشيء، ولا تتفاعل ولا تتأثر ولا تحمل في دماغها أية أفكار، وفي قلبها أية مشاعر، ليس في دماغ الروبوت سوى الأسلاك والمسامير المتناهية الدقة، والبلاتينيوم اللامع والبارد، وأظن أن أي شخص ينفي ضرورة الرمز والقدوة والمثل الأعلى، لا يختلف كثيراً عن الروبوت، سوى أن الروبوت يحتاج للصيانة والضبط والشحن لكي يعمل!
أما البشر، ففي كل تاريخهم كانوا يحتاجون إلى الأسطورة والأساطير، لذلك حفل التاريخ البشري بسجل هائل من الأساطير والرموز الأسطورية، نعم، الإنسان هو من صنعها وألفها، ولكن ليست هذه هي نقطة النقاش في الأمر، السؤال الأهم هو: لماذا شغل الإنسان نفسه بإنتاج هذه الرموز والأساطير؟ لأنه يحتاجها كي يفسر من خلالها ما يحدث له وحوله، ويحتاجها كيلا يفقد البوصلة في طريق الحياة المليء بالعوائق والعثرات والخيبات، ويحتاجها كي يطمئن إلى أن قوى الشر ليست وحدها من تسيطر وتسير العالم والمصائر!
اليوم، مثلاً، لو دققنا في أفلام الرسوم المتحركة القادمة من شرق آسيا، سنلاحظ أن البطل الخارق موجود دائماً، وفي أفلام السينما الأمريكية، فإن البطل الأسطوري موجود دائماً، البطل الذي يتدخل ليهزم الأشرار ويناصر المظلومين ويتصدى للشر ويهزمه دائماً، هذا الرمز للبطل، أو للأشخاص الخارقين، لا يقدم من قبيل التسلية أو المتاجرة، بل إنه يقدم للجماهير من أجل أهداف أخلاقية ونفسية واجتماعية يراد تحقيقها، كرفع المعنويات العامة للأمة، وتقوية الشعور بالانتصار، وعدم اليأس والإحباط والاستسلام، مهما كانت الظروف والهزائم.
إن تقديم رموز حقيقية من لحم ودم، وليس مجرد حكايات وأفلام كرتون، بل لرجال يمثلون البطولة والقوة والإيمان بعدالة قضيتهم، تقديمهم للجماهير وللأجيال الجديدة من الشباب المنغمسين في التقنيات، وتكاد تلتهمهم قيم السوق والاستهلاك والميوعة، لأمر بالغ الأهمية، فما لم يؤمن الشباب الصغار بقضايا الانتماء والدفاع عن الأوطان ومناصرة الحق والوقوف ضد الباطل، فإن هزيمتهم قد تحققت دون جدال أو قتال، وعندها، فإنه لا يمكن التعويل عليهم، لا لدفاع ولا لقتال!