تبدأ افتتاحية رواية «الانمساخ» أو «التحول» لفرانك كافكا بهذه الجملة «عندما استيقظ جريجور سامسا من نومه ذات صباح عقب أحلام مضطربة وجد نفسه قد تحول في سريره إلى مسخ عملاق» أو إلى حشرة عملاقة كما في بعض الترجمات!
لقد كُتبت الرواية عام 1912 ونُشرت 1915 في مدينة ليبزيغ بألمانيا، لكن بعدها بسنوات، وفي مكان آخر من العالم يبعد عن ألمانيا كثيراً، كان روائي كبير يستعد لقراءة الرواية مستلقياً على سريره، عندما سقط من فراشه بمجرد أن بدأ بالقراءة لشدة دهشته بها، يقول ماركيز حول ذلك «لقد كنت مدهوشاً.
وعندما قرأت هذا السطر قلت لنفسي بأني لا أعرف أي شخص باستطاعته كتابة كلام كهذا». وقد شرح فيما بعد وجهة نظره قائلاً: «لقد هزتني الرواية وأعادت تفكيري في الحياة!».
إن الفكرة الخطيرة التي أسقطت ماركيز وهزته كما قال، هي فكرة أن يتخيل الإنسان نفسه وقد صحا معطوباً في اليوم التالي، غير صالح للحياة، ومصاباً بما يجعله معطلاً تماماً؟ مثلما صحا ماركيز نفسه بعد ذلك بسنوات طويلة ليجد نفسه فاقد الذاكرة؟
والعطل لا يكون في الجسد وبالمرض فقط، فقد يصحو الإنسان ليتلقى خبراً حول خسارة عمله أو خسارة أمواله، أو يخبره الطبيب بأن نتائج تحاليله تثبت أنه مصاب بمرض عضال.. وعوض كل هذه الشروحات يختصر كافكا المعضلة، ويحول بطله المتفاني في سبيل عائلته إلى حشرة عملاقة مستلقية على ظهرها وغير قادرة على الحركة نهائياً! كشخص مشلول تماماً!
كم عدد الآباء الذين يتعرضون للعطب يومياً حول العالم: بعد حادث سيارة، إثر تلقي خبر صادم أو خسارة ضخمة، إثر جلطة دماغية مباغتة.. فكيف تكون حياة هذا الإنسان وعلاقته بنفسه وبعائلته؟ كيف يعاملونه وكيف ينظرون إليه وكيف يتحدثون عن عجزه وعطبه؟
كانت أحاديث عائلته في غرفة المعيشة تتسلل إليه وهو مختبئ في غرفته لا يجرؤ على الخروج بسبب شكله المخيف، لكنه كان يستمع لكل ما يقال، وكان يتمزق حزناً، فالكل يريد الخلاص منه، فهو الآن ليس سوى حشرة؟ بلا قيمة وبلا ضرورة، ووجودها ليس سوى عبء مثير للخوف والتقزز لا أكثر!