حكمة التفاصيل

حين تسأل شخصاً عن رأيه في شأن أو قضية فمن الطبيعي أن تتوقع منه إجابة واضحة ومحددة، خاصة حين تكون صحفياً، ويكون السائل كاتباً أو صحفياً مثلك، أو شخصاً يعرف بآرائه الصريحة والمباشرة، مع ذلك يبقى هذا الرأي مجرد وجهة نظر شخصية أو تقييم أو تفسير لحدث أو قضية من زاوية أفكار وتوجهات هذا الشخص، يتأثر بميوله الفكرية أو العاطفية أو مواقفه الشخصية.

وهو عندما يحاول أن يعطي إجابة مقنعة أو معززة بالأرقام أو الأقوال أو الأمثلة فإنما لكي يقنع المتلقين أو القرّاء الذين سيطالعون رأيه وبالتالي يتأثرون به، ومن أهم مميزات الرأي كذلك أنه لا يمكن أن يكون صحيحاً بالمطلق ولا خاطئاً بالمطلق، لكن يمكن القول إن الرأي وجيه أو ذو حجة قوية!

في بعض الأحيان أجدني أميل إلى الإجابة بقصص قصيرة، بعض الإجابات من الأجمل والأفيد للمتلقي أن تتضمن الكثير من التفاصيل، خاصة عندما يتعلق السؤال بمسألة شخصية، لذلك أجد أن العبرة في التفاصيل الصغيرة، التي غالباً ما نحبها جميعاً. فنحن حين نقرأ أو نشاهد فيلماً نحب أن نقرأ ونرى ونسمع التفاصيل، هذه من الأشياء التي يستجيب لها عقل القارئ بسهولة دون أن نعرف السبب!

فالإنسان يحب أن يقرأ عن طريق عبره البطل أو البطلة والتقيا فيه (برجلين يرتديان قميصين أخضرين مثلاً ويقذفان لبعضهما كرة بجوار سيارة كانا يقفان بجانبها)، هذه التفاصيل الصغيرة تملأ المشهد بحياة تستثير العقل أكثر من أي وصف صامت للطبيعة!

سألتني صحفية منذ سنوات بعيدة عن أول كتاب قرأته، لم أقل لها عنوان الكتاب، لم يكن العنوان هو المهم أو المثير كما خمنت، ولكنها التفاصيل، كيف عرفت ذلك الكتاب؟ كيف صادف أن وقعت عيناي عليه وأنا طفلة؟ كيف تعلقت به وأصررت على شرائه؟ وكيف اشتريته؟ رحلة شراء الكتاب لوحدها قصة شيقة...

نحن خلقنا في هذه الحياة لنتعارف، وكيف يحدث أن نتعارف لو لم نحكِ، لو لم نقص الحكايات؟ وما الحكايات سوى التفاصيل الصغيرة!