دائماً ما أجد في خلود الكثير من الظواهر العظيمة في السرد الأدبي والفنون المختلفة كالمسرح والغناء والموسيقى، وكالروايات والقصص والإرث المسرحي والسيمفونيات والألحان والشعر و.. غيرها، أمراً لافتاً يستحق التوقف والتساؤل والإعجاب الحقيقي الذي يجعلنا نحمل الكثير من الاحترام والتقدير لصنّاع ومنتجي ومؤلفي هذه الآثار الخالدة!
تلمست هذه المسألة في أول مرة تنبهت فيها لعظمة الأدب الروسي واستمرار الترجمات المتزايدة لروايات ومسرحيات مضى على تأليفها قرون وليس مجرد سنوات! كما سيطر عليّ الشعور نفسه عندما زرت فيها متاحف لندن وإيطاليا وسانت بطرسبرغ وقصور ومساجد إسطنبول وشوارع القاهرة القديمة... يومها كان السؤال الملح في داخلي:
ما هذا الإحساس العميق الذي يسيطر على الإنسان حين يكون في أمكنة بعينها كهذه؟ ولماذا يتشارك كل هؤلاء الزوار هذا الشعور بالراحة النفسية وبالاحترام والرغبة في تكرار الزيارة دون أي إحساس بالملل أو التشبع؟
إنه ذاك الخلود الذي اكتسبته هذه الأعمال، الخلود الذي يمنحها عوارض المجد الذي لا يخفى، وعوارض المجد هو أن يجمع البشر من أصقاع الدنيا على اختلاف أعراقهم وثقافاتهم ولغاتهم على الإعجاب بهذه الأعمال والحرص على اقتنائها أو زيارتها أو قراءتها.. يختلف الأمر فيما إذا كانت كتاباً أو قصراً أو موسيقى.. أو..
وخلود الأثر الأدبي أو الفني معناه قدرة العمل على الاستمرار في التأثير والوجود الحي في وجدان الناس وثقافتهم عبر الأجيال، ألم نقرأ جميعاً أعمال الأدباء الروس؟ ألم نعشق جميعنا صوت فيروز وأم كلثوم وأدب نجيب محفوظ ومسرحيات شكسبير؟
ألا تهوى قلوبنا شوارع القاهرة ومتاحف وقصور باريس ومساجد العثمانيين و...؟، إن الأثر الذي تتركه وتركته هذه الأعمال لا يزول بزوال عصره أو الزمن الذي أُنتج فيه، وستأتي بعدنا أجيال وأجيال ستقرأ هذا الأدب، وتستمع لأغنيات أم كلثوم بألحان السنباطي وبليغ وستقول: الله في ختام كل مقطع!
خلود الأثر لا يعني فقط بقاء النص أو اللوحة أو المقطوعة محفوظة مادياً، بل أن تبقى مؤثرة وملهمة ومفتوحة على قراءات وتفسيرات ورؤى وأحاسيس جديدة مع كل زمن ومع كل جيل.