في معظم أمور حياتنا، تعاملاتنا مع الناس وتقاطعنا مع الأشياء، هناك أشخاص يشعروننا بالألفة، ويفتحون لنا كل الطرق لنقترب منهم باتساع ومحبة، وهناك من يرفع إشارة «ممنوع الاقتراب أو التدخل»، كما يظهر الأمر نفسه في الماديات والأشياء، فهناك أشياء للفرجة فقط، وهناك ما هو قابل للاستعمال والتعامل، وهناك أشياء عكس ذلك، أمكنة ترحب بك، مساحات حميمة تحتويك، منازل دافئة تتغلغل فيك قبل أن تدخلها، مقاهٍ تشعر أنها وجدت لك، مدن وأزقة وشوارع تقف عاجزاً أمام تفسير قوة الجذب العظيمة التي تجعلك تألفها سريعاً، وتحن إليها بمجرد أن تغادرها، بينما تقف فاغراً فمك أمام حوانيت فخمة ذات واجهات لا يمكن أن تشيح ببصرك عنها، لكنك في الوقت نفسه لا تريد أن تدخلها، ولا تفكر أن تشتري منها شيئاً!
تبدو الحياة، في نهاية الأمر، وكأنها تأسست على منطق الثنائيات المتعارضة، ثنائيات بلا نهاية، أشياء تستعملها وتندمج فيها بلا مقدمات، وأشياء تقف أمامها متردداً تتفرج ثم تنسحب وتمضي، تعلم أنها لفرجة الجميع، وليست لك أنت فقط، كالمتاحف، وصور الجميلات على أغلفة المجلات، وكالبيوت الأنيقة في الإعلانات العقارية، والبشر الذين يشبهون عرائس من فخار منقوشة برسومات زاهية، كل هذا لا يعنيك إلا بمقدار زمن الفرجة ثم ينتهي الأمر، أنت تعلم أن الأمر سينتهي هكذا سريعاً ودون ندم، لأن كل هذا الذي شاهدته لا يشبهك ولا يناسبك، ولا يعني لك الكثير، هي أشياء جميلة ولكن للفرجة فقط.
هذا الجمال غالباً ما يكون ناقصاً وقابلاً للكسر، أو للعطب، لذلك فأنت ممنوع من الاقتراب منه أو اللمس، والمعروف أن الشيء الذي لا تقترب منه أو لا تلمسه لا يمكنك أن تشعر به أو تتفاعل معه أو تراه على حقيقته، لذلك نحن نلمس كل ما نود شراءه أو اقتناءه، أقمشة الملابس، الأطعمة، السجاد، أقمشة الستائر، الأَسِرّة، الأدوات المنزلية.. كل شيء، فإذا قال لك أحدهم «أرجوك ممنوع اللمس» تلوي فمك، وتشيح بوجهك مستاء، وتمضي مقرراً أن هذا الشيء لا يعنيك، ولا تريده!