يقول لي شاب يعمل في مجال الكتب الثقافية، حيث الثقافة ليست مجرد وظيفة ومصدر رزق، لكنه كما يعرفه كل من حوله وكنت أتابعه عبر السوشال ميديا يتحرك بها ويتنفس عبر تنقله بين المكتبات ومعارض الكتب والقراءة والكتب.
والحقيقة فإن هذا النوع من الشباب أصبح نادراً في هذه الأيام، أو كما تقول صديقتي (الثقافة ليست من متطلبات هذه المرحلة التي نعيشها)!مع ذلك فالمثقف الذي ارتبطت حياته بالكتب والقراءة وعالم الأدباء والعلماء والأفكار لا يمكنه أن يسير بعيداً عن هذا العالم.
منذ مدة نشر ذلك الشاب شيئاً يخص مكتبته، حيث هو دائم التنقل على ما يظهر من خلال ما كتب، وفي التنقل من منزل لآخر، ومن بلد لبلد، تكون المكتبة وصناديق الكتب هي العبء الأكبر التي يلجأ البعض للتبرع بها أو التخلي عنها أحياناً بسبب كلفة النقل والحاجة لأماكن كبيرة لوضع الكتب وتخزينها، وهنا في الحقيقة تثور قضية التعامل مع الكتب وآلياتنا في اقتنائها، وهذه تحتاج لمناقشة مستقلة!
وبسبب تنقله المستمر لأسباب ربما تعود لطبيعة عمله أو ظروفه، فإنه كجميعنا وضع مكتبته كلها في صناديق إلى حين تنتظم حياته وبيته الجديد، إلا أن كثرة تكرار هذا الفعل قد يصيب المرء بالثقل أو الملل، فيظل يؤجل فتح الصناديق ورصّ الكتب وترتيب المكتبة، وهنا ينتابه ذلك الشعور بأن كل شيء على ما يرام إلا أن الحياة تبدو وكأنها غائبة عن البيت أو أنها مؤجلة!
لذلك كتب صديق عاش هذا الوضع: «منذ شهر تقريباً وأنا أعيش في بيت جديد غير أن شيئاً جوهرياً ما زال غائباً، مكتبتي ما زالت حبيسة الصناديق. الغرف مرتبة والأثاث في أماكنه وكل ما يرمز إلى السكن حاضر ومع ذلك أشعر أنني بلا بيت. إن الحياة مؤجلة إلى حين عودة الكتب».
عندي نفس الحالة بالضبط، فقد أعدت ترتيب وصيانة وتأثيث بيتي منذ مدة، وجعلت كل كتبي في صناديق، والآن وبعد أن ترتب كل شيء حولي لم يعد عندي طاقة كي أعيد ترتيب مكتبتي! شيء ما يحدث في كيمياء العلاقة فتبدو المهمة عصية عليك، وربما تستعصي عليك الكتب نفسها لطول ما خزنتها وأهملتها رغماً عنك!