يتساءل البعض لماذا يفضل الجمهور أعمالاً معينة في السينما والتلفزيون، فيقبل عليها ويشجعها ويعجب بأبطالها، بينما هناك آلاف الأعمال تعرض وتمر أمام الأنظار صباح مساء لا تثير في نفوس المشاهد أي نوع من الاهتمام أو الإعجاب؟ بل العكس هو ما يحدث، فالجماهير تنتقدها وتهاجمها بقسوة، وتطالب بإيقافها والتوقف عن إنتاج أشباهها!
في ظني إن هذه الموجة من نمط المشاهدة الواعي لدى قطاعات بأسرها من المشاهدين العرب تحديداً، وهذا الاحتشاد خلف أعمال اعتبرت نقدياً وجماهيرياً مهمة وذات جودة عالية، يقف وراءها تغيرات وتحولات أصابت الدراما العربية من ناحية الموضوعات والقضايا ومدارس الإخراج وحتى آليات كتابة النصوص، وهذا له علاقة بانفتاح هذه الجماهير على نوعيات مغايرة من الدراما على مستوى العالم عبر المنصات الرقمية المنتشرة بشكل كبير.
لقد قدمت هذه المنصات خدمة للمشاهد عبر خلخلة العديد من الأفكار وعرض الكثير من أنواع الدراما من مختلف أنحاء العالم، ما أسهم سلباً في التأثير على منظومة قيم جيل كبير من الشباب، لكنه أسهم إيجاباً في الارتقاء بالذائقة الفنية، وبعدم القبول بما يعرض من دراما عربية شخصية أو مختلفة أو خاوية من المضامين الحقيقية أو التوجهات الفنية الحقيقية والاحترافية.
هذا أولاً، فيما يخص تفنيد أسباب احتشاد وإعجاب الجماهير ببعض الأعمال المميزة، أما ثانياً فإن تسليط الضوء بجرأة على قضايا مسكوت عنها لزمن طويل وبطريقة غاية في الاحترافية والاحترام كان سبباً رئيساً لتعلّق الجماهير بهذه الأعمال التي كسرت رتابة الأعمال الكلاسيكية المعتادة، والتي تعيد موضوعاتها وأفكارها وتلوكها في كل موسم رمضاني بوجوه جديدة!!
مسلسل (لام شمسية) على سبيل المثال فتح جرحاً وقضية شائكة جداً، وضرب بقوة في جذر فكرة تم طمرها طويلاً والسكوت عن مناقشتها وهي التحرش بالأطفال مع ما يتفرع عنها من قضايا مثل الشرف والسمعة الاجتماعية وعلاقات الصداقة والعلاقات العائلية والخيانة الزوجية وغيرها.
كل ذلك بأسلوب نسف الصور النمطية التي اعتادها المشاهد الذي يراد له من قبل صناع الدراما السهلة والاستهلاكية أن يبقى أسير تلك الأعمال الرتيبة والتافهة والسطحية، خشية أن يطالب بنبش ما يمكن أن يندرج تحت مسمى (التابو) أو المحرم مناقشته!