ليس للجنرال من يصفق له!

أنظر إليه، أركز عينيّ في عينيه الخائفتين، وشفتيه اللتين أشعر بهما ترتعشان حتى وإن ظهر كجنرال منتصر بكامل أناقته ونياشينه ولمعانه، وها هو قد غسل يديه من دماء آخر ضحاياه، وأغلق عليهم أبواب جحيمه وحرائقه ونيرانه، وجاء مهرولاً، يحاول أن يسلخ جلد ماضيه وذاكرته عله ينسى، أو يمحو ذل التاريخ الذي يربض خلف أيامه، وقطارات الترحيل المصمتة التي تغلق على جموع مغلوبة من قومه إلى حيث النهاية البائسة، هذه الذاكرة التي يريد أن يغسلها بكل هذه الدماء، لكن لا مناديل قادرة على تجفيف كل هذا الدم!

أنظر إليه، إلى عيونه التي تبدو بلون الدم! فأقول ربما لأنه لا ينام، أو لم ينم إلا بالمنومات والمهدئات والمسكنات منذ أكتوبر الماضي! أدقق فيما يقول، إنه يبذل قصارى جهده لرفع منسوب التهديد والوعيد في خطابه المبتور إلينا وللعالم، فتبدت لي عيونه أقرب للون الأصفر أو بلون البرتقال، ذكرني ذلك ببرتقال يافا، الذي سرق وصودرت حقوله ومزارعه، ونسبت لمن لا حق لهم في أي شيء!

مجدداً، يحاول الجنرال الذي كلما أزهق روحاً هرع مسرعاً إلى آلات التصوير، وأجهزة البث المباشر ليعلن انتصاره أمام العالم، وليرقص على المزيد من الجثث، عله يسمع الهتافات والتصفيق، لكن لا أحد يصفق له، وكأن ألقاب البطولة ذهبت للضحايا.. بينما لم يبقَ له سوى لقبه الحقيقي!

هذه ليست لحظة انتصار أيها الجنرال، إنها لحظة إجرام خالصة لا مثيل لها، لكنها حتماً ستنقضي، وستنتهي كما انتهى جنرال ماركيز، الذي لم يبقَ له بعد كل المعارك سوى بدلته ونياشينه، وانتظار خطاب لم يأتِ أبداً!

إن الشعوب لا تستكين للقهر طويلاً، والأوطان لا تراوح في الاحتلال والهزيمة إلى الأبد، فحتى الهزائم لها تاريخ صلاحية، والاستعمار كذلك له وقت وينتهي، هذا إذا احتكمنا للتاريخ، وللعقل وللضمير الإنساني وللمنطق، فبغير المنطق لا يتحرك التاريخ، ولا يحتكم البشر، ولا تسير نواميس الكون، ولذلك فإن لحظة أخرى خالية من هذه القتامة ننتظرها جميعاً، كل العالم الحر صاحب الضمير الحي يناظرها، وأظنها لن تطول كثيراً!