العزلة التي نحبها!

أتساءل دائماً، وأنا ألاحظ ميل معظمنا أو استسهالنا لحالة التسوق والتعامل عبر التطبيقات والأونلاين: هل كرست كورونا بإجراءاتها الاحترازية التي فرضت خلال تلك الفترة الكئيبة، عزلة البشر، حتى بعد أن تخلصنا منها، وذلك بربطهم بتقنيات التعامل والتسوق عبر الإنترنت؟

كثيرون يعتقدون بأن هذا ما حصل فعلاً، وأن عام الوباء بالفعل قد أحدث تغييرات جذرية في شكل العلاقات والتعاملات الاجتماعية والاقتصادية، حتى بعد الخلاص منها إن كنا قد تخلصنا فعلاً! حتى إنه يمكننا القول إن كورونا ربما كانت اختباراً أو تدريباً على كل ما حصل بعدها وخاصة في سيادة نمط التجارة والتسوق الإلكتروني والعمل عن بعد، وتخفيف الضغط على المؤسسات والمواصلات، وصولاً للحد من التواصل والاتصال الإنساني البشري والاتجاه أكثر نحو التواصل التقني والاعتماد على البشر الآليين، تمهيداً لعصر سيادة الروبوتات!

فقد فرضت كورونا على الناس تجربة العزلة القهرية التي ضج الناس وضاقوا بها ذرعاً وتذمروا واكتأبوا وبكوا أيضاً، وأنتج الأدباء والكتاب نصوصاً وأدباً رافضاً لتلك العزلة! إلا أن المدهش (ويا للغرابة) أن كثيرين تعوّدوا عليها وألفوا أنماط حياة داخلية ومعزولة اختيارياً، يعيشون خلالها في وضع أقل احتكاكاً وتواصلاً بالآخرين ودون تذمر!

فبعد رفع القيود، بقي جزء من هذا النمط قائماً: التردد في الذهاب للمناسبات الاجتماعية الكبيرة، ضعف العلاقات المباشرة، وازدياد الميل إلى العمل عن بعد، والتسوق الافتراضي!

معلوم أنه قبل كورونا، كانت التجارة الإلكترونية تنمو ولكن بشكل لم يكن محسوساً ومنتشراً، لكن بعد كورونا حدث ما لم يكن متوقعاً، حيث الاعتماد شبه الكلي على نمط التوصيل، أما الدفع الإلكتروني بدل النقد فأصبح واقعاً وليس خياراً، أما الاجتماعات عبر التطبيقات المرئية بدل اللقاءات الشخصية فقد أصبحت بديلاً مرغوباً.

كل هذا يعني وبشكل لا يحتاج إلى جدال أنه بعد انتهاء أزمة كورونا، لم يعد كثيرون يرون ضرورة العودة لأسلوب الحياة والتعاملات واللقاءات القديم، بل استمروا في نمط الطلب بضغطة زر لأنه أسرع وأسهل وأريح، حتى إن البعض بدأ يقول (هذه بعض مكاسب كورونا) كورونا التي كانت في وقتها كارثة البشرية غير المسبوقة!