فن المقاومة الذكية

«فهرنهايت 451» رواية أمريكية تحكي عن قصة نظام شمولي يقوم بغزو العالم في المستقبل، ويقوم بحرق الكتب. بطل الرواية هو رجل إطفاء يلتقي صدفة بجارته المثقفة التي تقنعه بقراءة رواية جميلة، فيقع الرجل في حب التراث الإنساني العريق الذي لم يكن يعلم عنه لولا جارته. وبالتدريج يتمرد على السلطة، ويمتنع عن حرق الكتب. نشرت الرواية لأول مرة في عام 1953م، وتعتبر رداً من مؤلفها راي برادبري على الإرهاب الثقافي الذي مارسه السيناتور جوزيف مكارثي على الكتّاب والمثقفين في أمريكا في تلك الفترة.

ومكارثي كان نائباً جمهورياً في الكونغرس، وفي أوائل عام 1950 أصبح من أشهر الشخصيات في الفترة التي بلغ فيها العداء ضد الشيوعيين أوجه في الولايات المتحدة بسبب توترات الحرب الباردة بين الأمريكيين والسوفييت، ذاعت شهرته نتيجة ادعائه، بدون دليل، أن هناك عدداً كبيراً من الشيوعيين والجواسيس السوفييت والمتعاطفين معهم داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية، ما قاد للكثير من الإجراءات التعسفية ضد الكتّاب والمثقفين الأمريكيين في إطار قانون مكارثي المناقض لركائز الديمقراطية الأمريكية. وكان من أشهر آثار تلك الفترة رواية «فهرنهايت 451».

اليوم تستعيد الولايات المتحدة ظلال تلك المرحلة الكارثية، ويلعب إيلون ماسك الدور نفسه الذي لعبه مكارثي، وإن كان بقناع آخر مرتدياً معطف التطرف الوطني الشوفيني الذي ينتهجه ترامب، ويؤلب العالم ضد الولايات المتحدة الأمريكية منقلباً على ركائزها الأساسية التي أهمها: الديمقراطية والاقتصاد الحر والأسواق المفتوحة وحرية التعبير.

وها هو إيلون ماسك يتلقى الانتقادات والاحتجاجات في الولايات المتحدة بسبب مواقفه السياسية وتصرفاته، بينما اختارت أوروبا للهجوم على الرجل، طريق السخرية الذكية، الفنون الجدارية، والإعلانات الساخرة التي تقلب المفاهيم رأساً على عقب!

في بريطانيا وأجزاء من أوروبا، تحوّل ماسك من عبقري التقنية إلى مادة دسمة لفناني الشارع ومجموعات ناشطة، سخرت منه ومن شركته بأسلوب لاذع، حاد، وأحياناً صادم. فقد انتشرت صور وإعلانات مُزيّفة تشبهه بزعماء استبداديين، وتتهكم على آرائه ومواقفه السياسية. كل ذلك بنكهة «سخرية بريطانية كلاسيكية»، كما وصفتها الصحف الأمريكية. أصبحت أوروبا تنهج طريقاً متخفياً للنقد والسخرية، كما كان الناقمون والمعارضون في العالم الثالث يفعلون تماماً تحاشياً لردات فعل أنظمتهم، هكذا تروج المقاومة بالحيلة والسخرية في ظل القمع والديكتاتوريات.