صداقة الأدباء

الصداقة بوصفها علاقة إنسانية تجمع بين شخصين أو ثلاثة أو أكثر في عمر الطفولة أو الشباب تحدث بالصدفة أحياناً، أو بسبب مواقف معينة تقود لتوليد علاقة تستمر العمر كله، وتبقى زمناً بين الأصدقاء، ثم تنقطع، أو تصحبهم حتى آخر العمر، وأحياناً تبقى حتى ما بعد وفاة أحد الصديقين، أما مسألة الوفاء للأصدقاء فأمر مرده لطبيعة الشخص وقيمه ونظرته للصداقة وأهميتها في حياته ووجدانه.

وكما يرتبط كل البشر بهذه العلاقة العظيمة الأثيرة، كذلك يرتبط العظماء والعلماء والأدباء، والصداقات بين الأدباء دائماً ما تثير شهية الأسئلة والفضول؛ لأنها كثيراً ما تجمع بين عقول قد تكون متشابهة في توجهاتها وأفكارها وبيئاتها، وقد تكون متناقضة ومختلفة، فبين المشاهير والأدباء ما هو معروف من تنافس ومحاولة مستمرة للظهور والبروز على حساب الآخرين، حتى وإن كانوا أصدقاءهم، وهذا أمر يبدو متوقعاً وفي صميم الطبيعة البشرية، التي تؤثر نفسها أكثر مما تود لغيرها، حتى لو تم ادعاء العكس أو التصريح بغير ذلك، ولكن بموازين وحسابات.

ولقد سئل الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ في لقاء تلفزيوني عن السر وراء ارتباطه وعلاقته بتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وسلامة موسى، وعدم ارتباطه بالعقاد على شهرته، وطه حسين على مكانته، رغم أنهما عاشا في الفترة نفسها، وقد كان محفوظ معجباً بالاثنين، كما أنه لم يعرف عنه تردده على صالون (العقاد)، الذي كان يتردد عليه نخبة مجتمع الأدب والثقافة في مصر في زمنه؟

فأجاب أنه كان شديد الإعجاب والحب للرجلين وفكرهما، لكنه كان مقلاً في علاقاته، ولم يكن ممن يجيدون فن الاقتراب والتعرف على الآخرين بالسهولة التي يفعلها الآخرون. كان رجلاً محباً للعزلة والبعد، كما يقول، لكن ظروفاً معينة قادت لأن يتعرف على سلامة موسى أو الحكيم لا أكثر!

ولعل الصداقة التي جمعت بين توفيق الحكيم وطه حسين واحدة من أشهر صداقات الوسط الأدبي، حيث كانا صديقين مقربين جداً، يجلسان معاً في مقهى «ريش» بالقاهرة، ويتناقشان في الأدب والسياسة، وقد كتب الحكيم كتاباً شهيراً بعنوان «زهرة العمر»، حكى فيه عن صداقته بطه حسين.