تلمس في أحيان كثيرة في الدائرة المحيطة بك تحديداً (إخوتك، أصدقائك، زملاء العمل) ميلاً لعدم التفاعل والصمت ومواجهة المواقف المختلفة بكثير من البرود أو اللامبالاة، فإذا سألت أحدهم عن سبب حالته، فإن جوابه غالباً (أشعر بالملل)، والملل قد يكون بسيطاً وطارئاً لا يستمر كثيراً، وهناك (الملل الوجودي) يطفئ رغبة الإنسان تجاه الحياة ويغرقه في حالة من الأسى والتخبط، وإن تكرار كلمة (عادي) على لسان البعض للتعبير عن علاقتهم ورؤيتهم وإحساسهم بما يحيط بهم، دليل على عمق الملل الذي يسيطر عليهم!
إن الإنسان الطبيعي عادة ما يتخذ مواقف معينة تجاه كل ما يحيط به، ليس شرطاً أن يكون فيلسوفاً ومثقفاً وأستاذ جامعة ليصف مشاعره تجاه وضع سياسي أو ظاهرة اجتماعية أو حادث على الطريق أو لقاء صديق قديم، أو وفاة أحد الأقرباء.. إلخ، فأي إنسان بإمكانه وصف مشاعره بكلمات مباشرة وبسيطة، أما أن يعبر عن كل شيء بكلمة (عادي) فالأمر ليس بخير، لأن الحياة ليست كلها عادية حتماً!
إن أمثال هذا الشخص يعانون من حالة ملل عميقة، والملل مثلما يكون طبيعياً فإنه قد يكون مدمراً كذلك، هذا الملل الذي يسميه علماء السلوك «الملل الوجودي!» وهو شعور عميق بالضجر والفراغ واللامبالاة تجاه الحياة، وغالباً ما يرتبط بالتساؤلات حول معنى الحياة والوجود، إنه ليس مجرد ملل عابر، بل هو شعور مزمن يؤثر على نفسية الشخص، ويجعل الفرد يشعر بالعزلة والبعد عن العالم.
والملل الذي يعاني منه كثيرون ممن فقدوا وظائفهم أو تقاعدوا من العمل، أو يمرون بمرحلة قلق بسبب الطلاق، أو الانفصال، أو الفقد، أو الخسارة، أو.. ليس بالأمر الذي يستهان به، أو ينظر إليه باعتباره أمراً بسيطاً، لأنه ليس كذلك، فكثيرون فقدوا حياتهم بسبب ذلك! ليس علينا أن نسخر من الأمر أو نتهكم، لأن مقدار صلابة البشر ليست متساوية، وإن الهشاشة التي يعاني منها كثيرون قد تقود لما لا نتوقعه، للعزلة، والاكتئاب، وأحياناً لأمراض مجهولة السبب!