قد يبدو التدقيق في شخصية رفاق السفر أمراً غريباً للبعض، لي صديقة اعتادت السفر صحبة أسرتها، وعندما تزوجت صارت تسافر مع زوجها، وحين كبر أبناؤها أصبحوا رفاقها في السفر، حتى خطر ببالها أن تسافر رفقة صديقات ومجموعات من النساء، وهذه موجة بدأت تنتشر في ثقافة وتوجهات السفر، تقودها شركات ومكاتب سياحية، أو بعض السيدات اللواتي يتخذنها وسيلة للرزق.

المهم أنني كنت أتحدث إليها حول الفكرة، حتى وصل بنا الحديث إلى نوعية الصديقات ومدى معرفتها بهن وكيف تضمن أنها ستقضي سفراً ممتعاً بعيداً عن المنغصات والمواقف المزعجة التي قد تسببها إحدى رفيقات السفر فتقضي على بهجة المغامرة والتجربة، فاستغربت أن يوجد أمثال هؤلاء الذين يمكن أن يصل أثرهم لدرجة تخريب مشروع سفر بأكمله، لأنها تقول إن شخصاً ناضجاً في عمر معين يفترض أنه يعرف ما له وما عليه حين يكون وسط مجموعة من الناس!

والحقيقة أن الافتراضات التي نحملها في داخلنا هي في النهاية ثوابتنا التي تربينا عليها، ومجموعة التصورات التي تملأ أذهاننا عن الخارج، فنحن نعتقد أن كل ما نؤمن به وما تربينا عليه وما نتخيله موجود في الخارج أو في الحقيقة، لكن الواقع خلاف ذلك، والناس ليسوا جميعاً كما نتصورهم، وهم بالتأكيد لا يشبهوننا ولا يفكرون مثلنا، ولا يقيمون الأشياء على طريقتنا، ليس لأننا أفضل منهم، ولا لأنهم أسوأ منا، المسألة تعود لأسس المنشأ والتربية وأولوياتنا وقائمة المُثل التي تربى عليها كل منا!

من الذي لا تسافر معه؟ سألتني؟ قلت لها بلا تردد: البخيل الأناني (البخيل أناني دائماً) الذي لا يفكر إلا في مصلحته، وفي نفسه، وفي راحته، الذي لا يشعر بغيره، الذي يسير في الحياة كلها بمنطق أنا ومن بعدي الطوفان.

هذا الشخص لا يصلح للرفقة، ولا للصداقة، ولا للزواج، ولا للحب، لأن منطق الرفقة وأساسها وشرطها هو العطاء، وهذا النوع من الناس لا يعرف معنى العطاء ولا يفهمه ولا يمكنه أن يطبقه، فكيف يمكن أن ترافق شخصاً ليس على استعداد لمنحك كأس ماء إذا احتجت له على سبيل المثال!