لا أحب المقارنات كطريق لإثبات أفضلية شخص على آخر، لأنني أدرك تماماً أثر الاختلافات الكثيرة التي تميز بين الأشخاص من حيث قدراتهم وإمكانياتهم، ومن حيث ظروف البيئة وتأثير المجتمع، وما فيه من محفزات ومحبطات وإغراءات وإكراهات. وأظن أن جميعنا يدرك تأثير كل هذه الحزمة من العوامل التي توجه الجميع وتؤثر فيهم. كل هذا لا ينفي دور الإنسان نفسه من حيث عزمه واجتهاده واشتغاله على تطوير نفسه وملكاته والارتقاء بوعيه وثقافته.
من هنا جاءت مسألة الأهلية القانونية، والتكاليف الدينية والمجتمعية التي تقتضي توافر العمر المناسب والنضج والوعي والقدرة الجسدية والعقلية، وهذا بالضبط ما يجعلنا كبشر نختلف ونتمايز، ونسجل حضورنا المختلف في الحياة وفي علاقاتنا وأعمالنا، فليس شكلنا ولا أحجامنا ولا أسماؤنا هي التي تمنحنا التميز، أو تجعل لنا بصمة، ولكنه الوعي والتربية التي تلقيناها داخل أسرنا، وعلو أرواحنا. وقد صدق المتنبي حين قال:
على قدر أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي على قَدرِ الكرام المكارِمُ
كنت أقرأ حول الممثل البريطاني الذي اشتهر في العالم بشخصية (مستر بين) وقد رسخ في أذهاننا جميعاً أنه يبدو كرجل يتصرف تصرفات طفولية في مواقف تستدعي الضحك، دون أن ينطق بكلمة واحدة، ودون أن يأتي بتصرف مبتذل أو خارج عن حدود اللياقات الاجتماعية العامة، هذا النمط من الفنانين الذين يكسبون احترام الجماهير حول العالم بمواهبهم وعزمهم، وبعيداً عن الابتذال، ينطبق عليهم وصف (أهل العزم)!
اسمه روان إتكنسون وهو مهندس حاصل على ماجستير في الهندسة الكهربائية، بجانب أنه سائق سيارات سباق محترف، كما أنه يجيد قيادة الطائرات، فقد قام بإنقاذ طائرة بركابها بعد أن قام هو بقيادة الطائرة بعد حدوث عطل في غرفة القيادة، أراد أن يلتحق بدراسة التمثيل فرُفض بسبب التأتأة التي يعاني منها، فابتكر شخصية (مستر بين)، وحقق ما أراد دون كلمة واحدة، حتى صار يصنف ضمن أفضل عشرة كوميديين في العالم.
أتأمل في أحوال آلاف الفنانين في عالمنا، وأرى مقدار ما يسقط فيه بعضهم من ابتذال وسوقية رغم الموهبة التي يمتلكها، لا لشيء إلا استعجالاً للشهرة والمال، ودون أن يقدم شيئاً أو يترك أثراً للأسف!