الأزمنة التي لم نعشها

كثيرون ممن أعرفهم، ينتابهم في أحيان كثيرة حنين غامض للعيش في أزمنة سابقة، يتصورونها أكثر سلاماً وهدوءاً ربما، أو لأنها مليئة بالشخصيات الأسطورية، أو الأحداث المهمة التي غيرت وجه التاريخ، فالإنسان لا يحب قصص التاريخ والاستماع إليها فقط، ولكنه يحب أن يكون شاهداً عليها، أو أن يصنعها، إذا كان ذلك ممكناً!

فكيف نشعر عندما نفكر اليوم في كل هذه الأحداث والتغيرات والشخصيات الأسطورية، الفنية والسياسية والثقافية، التي لم نعايشها، أو لم نعش زمنها، تلك الأزمنة التي جرت فيها أهم التحولات.

وشهدت وجود أهم الأساطير الفنية والثقافية والسياسية، كسنوات الستينيات مثلاً، التي لن تتكرر أحداثها وشخصياتها وتحولاتها أبداً، لماذا يتولد فينا هذا الشعور المركّب، الذي يتداخل فيه الحنين المستعار، والدهشة، والفضول، وأحياناً الحزن أو الحسرة؟.

لماذا نشعر وكأننا نفتقد شيئاً لم نختبره، لكنه يمسّ شيئاً عميقاً في وجداننا؟ هل لأن هذا الزمن يبدو لنا أكثر «معنى»، وأكثر «غلياناً»، وأكثر «حقيقة». كأن الحياة آنذاك كانت تُعاش بكثافة، وكان للناس إيمان بقضايا كبرى: الحرية، التغيير، الجمال، العدالة؟.

فحين نتأمل كمّ التحولات الفكرية والسياسية والفنية في الستينيات – صعود حركات التحرر، الحروب، الثورات الثقافية، موسيقى الروك، تيارات الشعر، السينما المتمردة، مايو 68، جيفارا، عبدالناصر، فانون، جان بول سارتر، فيروز في عزّ مجدها – يصيبنا نوع من الانبهار: كيف استطاع العالم أن يشتعل بكل هذا؟ ولماذا يبدو عصرنا أكثر فتوراً؟.

وقد نحسّ كأنّ هناك حلقة مفقودة في هويتنا. لم نولد في تلك اللحظة التي صيغ فيها خطاب التغيير الكبير، ولم نحضر مخاضه، فصرنا نعيش ما بعده، كأبناء في زمن تائه، مملوء بالأسئلة، لكنه بلا أسطورة تجمعه.

ونشعر بالغيرة من جيل عاش عصراً كان فيه معنى الحياة والتاريخ أكثر وضوحاً. كأنهم عاشوا في مشهد كبير، له مركز وثقل، ونحن نعيش في مشهد مشتت، متسارع، بلا أبطال حقيقيين، ولا سردية كبرى، مجرد صراعات وتوغلات وماديات!!

في المقابل، قد لا نستسلم كلياً للتمجيد. فنحن نملك المسافة النقدية: نُدرك أن بعض «الأساطير» فيها زيف أو تمويه، وأن ما بدا عظيماً، ربما كان يحمل تناقضات أو أوهاماً. وهذا يجعل شعورنا أكثر تعقيداً.