التنوع والمواطنة

إذا ما وجد التنوع الثقافي والعرقي في أي مجتمع كان، دل ذلك على غنى وثراء إنساني وحضاري، بشرط أن يتمتع هذا النسيج المتنوع من الثقافات والعرقيات في داخله بالتعايش الآمن والمستقر والمسالم، بخلاف ذلك.

فإن التنوع الذي لا يقود إلى تعاون وإثراء للنسيج الاجتماعي يعد ابتلاء حقيقياً وكارثة لأي مجتمع يضم عرقيات متناحرة أو ثقافات متضادة، ليس لدى أفرادها أي احترام لحقوق الآخر أو رغبة في الاندماج معهم بكافة أشكال الاندماجات الاجتماعية المتعارف عليها.

في المنطقة العربية، فإن معظم الحروب الأهلية والصدامات والصراعات الاجتماعية الداخلية التي حصلت خلال التاريخ القديم نسبياً أو الحديث للعديد من الدول، مردها الأساسي الانحياز للمذهب والطائفة والعرق.

فتقسمت البلدان سياسياً على هذه الأسس التي لا تمت لشروط الدول الحديثة أولاً، ولا يمكن أن ينتج عنها مجتمعات مستقرة منتجة ولديها مشاريع تنمية وتطوير ثانياً، ومعلوم أن تقسيم البلدان بحجة إعطاء الأقليات حقوقها وفرصها في العيش المستقل يضعف الكيانات الكبيرة ويخلخل المنطقة، فحجة حقوق الأقليات ليست أكثر من كلمة حق يراد بها باطل!

إن التنمية والتطوير يحتاجان لشروط وركائز، أولها الاستقرار، ثم يأتي دور البنى الاجتماعية المتعددة والمتعاونة والساعية دوماً للاستقرار، أما في ظل التناحرات التي يفكر أصحابها بمصالح الطائفة والمذهب والدين فلا يمكن أن ينتج عنه سوى مسلسل متصل من المكايدات والعراقيل والحروب الأهلية المحتملة، وبالتالي خراب الأوطان وتوقف مسيرة النمو عند المرحلة صفر!

في العديد من أقطارنا العربية، وهي بالمناسبة أقطار ذات ثروات وموارد طبيعية هائلة، وعمق حضاري يمتد لآلاف السنين، إضافة إلى الإمكانيات السكانية ووجود بنية جيدة من المدارس والتعليم والشباب والعقول الفذة... إلخ.

ومع ذلك فإن هذه الأقطار لا تزال تتخبط في أوضاعها البائسة نتيجة الانقسامات الضيقة التي يفضل كل قسم وطائفة فيها أن يحوز كل شيء لطائفته وليذهب الآخرون للجحيم، وإذن فأين مبدأ وركيزة المواطنة القائمة على فكرة الانتماء للوطن والتراب والأرض؟ إذا انتفى هذا المبدأ الأساسي ومع وجود أنظمة حكم ديكتاتورية لا فكرة لديها عن مفهوم الوطن والمواطنة فإن التخلف والجمود والتناحر هو النتيجة الطبيعية!!