تأثير الجماهير

كتب الناقد السعودي المعروف على صفحته في منصة إكس يصف تجربة مر بها، وتستحق التأمل والتفكير، حول علاقة الإنسان بمواقع التواصل وبالجمهور وبذاته ابتداء في زمن الشبكات الذي نعيشه، يقول الغذامي: «دخلت اليوم في تجربة عجيبة، كتبت تغريدة وبعد وقت نظرت فيها فلم أجد عليها أي تفاعل، فتحركت في نفسي رغبة عارمة في حذف التغريدة، ثم تعجبت من عنفي ضد تغريدة لا شية فيها، فقررت كتابة تغريدة أشرح فيها الحالة !

لأول مرة أمر بتجربة كهذه» !

تدفعني هذه التجربة إلى السؤال: لماذا نكتب أفكاراً وتغريدات وتدوينات على صفحاتنا أحياناً ثم نبادر لمحوها إذا لم نجد عليها أي تفاعل من قبل جمهورنا؟ خاصة إذا كان الشخص من المؤثرين وله متابعون كثر؟

يفسر أحد المتابعين الموضوع بقوله (كأن المعنى لا يكتمل إلا بعيون الآخرين). الحذف أحياناً لا يعني الندم، بل شعور بأن الكلام بلا جدوى، فنخفيه لا لأنه خطأ، بل لأنه وحيد.

‏والمفارقة أن التغريدة عن الحذف، هي التي وجدت التفاعل الأكبر! كأننا لا نُرى إلا حين نبوح بعدم رؤيتنا! بينما هناك من يفسر الأمر باعتبار ما مر به الكاتب السعودي تجربةً تختصر صراعاً مألوفاً، حيث نكتب بصدق ثم نتراجع إذا لم نجد صدى، وكأن صمت الآخرين إدانة ! لكن الحذف هنا لا يعني أن الفكرة باطلة بل أننا ربطنا صدقنا بتصفيق الآخرين.

نحن جميعاً نكتب إما بدافع الحاجة إلى التعبير، أو للبوح، أو لإثبات موقف أو رأي، أو ببساطة لأن فكرةً ما لمعَت في أذهاننا وأردنا أن نتشاركها مع الآخرين.

لكن حين لا نرى تفاعلاً —بإعجاب، أو تعليق، أو إعادة نشر— تبدأ الأسئلة تتسلّل إلينا: هل ما كتبناه غير مهم؟ هل فقدنا تأثيرنا؟ هل لم نعد مرئيّين رغم عدد المتابعين؟

في حالة المؤثرين أو من لديهم عدد كبير من المتابعين، يتضخم هذا الإحساس. لأنهم تعودوا على صدى سريع، وتفاعل لحظي، يعكس صورة الذات التي يعتقدون أنهم بنوها. فغياب التفاعل لا يُقرأ بوصفه مجرد صمت، بل بوصفه فشلاً في الوصول، أو تراجعاً في الحضور، أو فقداناً للمكانة.

ولذلك يُمحى المنشور، ليس لأنه عديم القيمة بالضرورة، بل لأن صمته بدا محبطاً أو محرجاً أو مخيفاً. وكأن كل منشور اختبارٌ صغير لقياس الحب، أو الاحترام، أو القبول، أو التأثير.