لماذا نقرأ مارسيل بروست ؟ 2-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

تنتمي كتابات مارسيل بروست للأدب الكلاسيكي الحديث، حيث يمتد تاريخ الكلاسيكيات لنصوص قديمة جداً كالأوديسة والإلياذة لهوميروس، ولقد أثر عدد من الأدباء الكلاسيكيين الغربيين في جيل كبير من المثقفين في الغرب والشرق، أمثال بلزاك وجويس وبروست وفولتير وديكينز وتولستوي و... هذا الأدب الذي غالباً ما يبدأ أثره فينا حين نتعرف عليه ونقرؤه في سن المراهقة، ثم حين نعيد قراءته بعد سنوات يتواصل الأثر كاشفاً عن قيمٍ ومعانٍ جديدة تماماً يتيحها لنا النضج الذي بلغناه والتجارب التي عبرناها.

إن إعادة القراءة عادة ما ترتبط بالأدب الكلاسيكي الذي تأسست عليه مدارس واتجاهات متباينة، لأننا من النادر أن نعيد قراءة المؤلفات الحالية التي تملأ السوق، أما الكلاسيكيات فإن قراءتها وتحديداً في سن النضج تتيح لنا من المتعة والثراء ما يتيح لنا الوقوف طويلاً عند العديد من التفاصيل والتأويلات التي تميزه وتمنحه هويته وقيمته التي تتحول مع الزمن إلى قوة تستقر في النفوس والذاكرة.

لقد أراد بروست أن يحكي في مؤلفه الضخم «بحثاً عن الزمن المفقود» عن أدق التفاصيل التي عاشها في المكان وعبر مرور الزمن عليه وهو مستلقٍ على فراش المرض، بينما الزمن يلتهم حياته دون أن يتمكن من التمتع بها، لذلك أراد أن يرسم مجرى ذلك النهر وهو يهدر مندفعاً إلى الأمام دون أن يملك أحد القدرة على إيقافه أو تغيير اتجاهه، لكنه مع ذلك لا يتلاشى ولا يختفي، بل يبقى ماثلاً عبر هكذا نصوص عظيمة تقبض على الزمن وتعيد إنتاجه في كل قراءة متجددة!

في «بحثاً عن الزمن المفقود» نحن نرى المكان الذي قضى فيه بروست طفولته، نرى الشوارع، طقوس الصلوات، كوب الشاي حيث يغمس فيه بروست قطعة الكعك ثم يستعيد مذاقها بعد سنوات، حفيف ثوب والدته الأزرق على درجات السلم، سير الجنود في طرقات كومبرييه، المسرح والممثلات وحديقة البيت، و.. نراه ونتنفس أريجه كأنه يحدث الآن في لحظة القراءة! وكما يقول بروست «نحن لا ندفن الذكريات حين نكتبها، بل نخزنها ونحفظها ونخلد أنفسنا فيها».

اقرأ أيضاً:

لماذا نقرأ مارسيل بروست؟ 2-1

Email