انتحار على الهواء!

في حادثة هي الأشهر في تاريخ البث المباشر، التي كانت فيها إحدى محطات التلفزة الأمريكية اللاعب الرئيسي، أقدمت مذيعة تلفزيونية على إنهاء حياتها عبر ظهورها في بث مباشر لتقديم فقرات برنامجها كما هو معتاد، لكنها بدلاً من ذلك أطلقت على نفسها الرصاص من مسدس كانت تخبئه في حقيبتها قبل دخولها الاستوديو!

قالت المذيعة المدعوة كريستين تشوبوك قبل أن تنتحر: «يبدو أنه لدينا عطل فني، ولأنكم تحبون الأخبار الحصرية لذا سأقوم بتعويضكم بالآتي. الآن وتماشياً مع السياسـة الجديدة للقناة، ولأول مرة في تاريخ التلفاز، وبالألوان الكاملة ستشاهدون محاولة انـتـحـار على الهواء مباشرة»، ثم أطلقت الرصاص على نفسها، في مشهد صادم بالنسبة لكل الأمريكيين الذين كانوا يحدقون في شاشات التلفزيونات لحظتها! حدث ذلك عام 1974!

هذا المشهد قدمته الممثلة الأمريكية ريبيكا هول، التي قامت بدور المذيعة كريستين تشوبوك في الفيلم الذي يروي سيرة حياتها، والأهم أنه يسلط الضوء على أن مجال التنافس التلفزيوني في أمريكا في تلك السنوات المبكرة قد حدد فلسفة «الترند» والأخبار«الأكثر إثارة وتسارعاً»، التي تجذب المشاهدين، تلك النوعية التي تم الترويج لها باكراً باعتبارها الأخبار المفضلة للجمهور، والتي تحقق أعلى مستويات المشاهدة، وترفع أسهم القنوات!

لكن ما علاقة ذلك كله بكريستين وبما أقدمت عليه؟ يبدو هذا السؤال بديهياً! والجواب له علاقة ماسة بحكاية الترند وجذب الجماهير، وتحقيق الأرباح من خلال البرامج المثيرة، لقد كانت كريستين مذيعة جادة تقدم تلك النوعية من البرامج التي لا ترفع نسب المشاهدة، كما كانت تعاني من الاكتئاب والوحدة، ولم يكن يملأ حياتها سوى العمل، لذلك فحين قرر أصحاب القناة التخلص منها، عاجلتهم وتخلصت هي منهم أولاً!

ومنذ عام 1974 والإعلام الباحث عن الربح يتغذى على سياسة الحصري والمباشر والسريع وتحقيق «الترند»، ولكي ترتفع نسب مشاهديه وأرباحه يتخلص من أي طرف لا يخدم هذه السياسة.

الإشكالية هنا تكمن في تعريفنا وفهمنا لفلسفة الإعلام ووظيفته في المجتمع، وفي مجتمع رأسمالي صرف تأتي المصلحة، وتحقيق الأرباح على رأس الأولويات، دون التخلي عن شروط المهنية والتفوق!