في ظل الضغوط الاجتماعية التي يعيشها معظم البشر في المجتمعات الحديثة اليوم، إضافة إلى ما تمثله مواقع التواصل وقنوات الإعلام من ضغوط إضافية تتمثل في تعريض الناس لكم هائل من المعارف والاطلاع على أنواع باذخة من أنماط الحياة والعلاقات والمقتنيات، فإنه من الصعب أن نغض الطرف عما يشكله الترويج الدائم والمبالغ فيه لمعايير الجمال والرفاهية التي تقدمها هذه الوسائل والقنوات!
في ظل هذه الضغوطات والمطالبات التي يتعرض لها الإنسان طوال اليوم وأينما تلفّت، يبدو من الصعب عليه أن يتمسك بمفهوم الحياة البسيطة التي يعرفها أو التي تربى عليها، وتحديداً فيما يتعلق بالمظاهر (اللباس والمقتنيات و..) وعليه يطرح العقل مسألة تبدو أخلاقية جداً، ولكنها في غاية التعقيد: هل يمكن للإنسان أن يساير هذه التعقيدات الاستهلاكية التي تفرض عليه، وفي الوقت نفسه يعيش وفقاً لمنظومة قيم أخلاقية تصطدم مع هذا النموذج؟
هل يبدو ذلك صعباً أم أن الأمر لا يعدو كونه خياراً متاحاً ممكن التحقق؟
هل الحياة في ظل البساطة تصبح أكثر متعة من الحياة المعقدة اللاهثة خلف المظاهر والنفاق الاجتماعي وإكراه الذات على مسايرة الآخرين حتى لا يشعر الواحد منا أنه معزول اجتماعياً ويغرد خارج السرب؟ الحقيقة أن الإنسان بكل ذكائه وقوته وقدرته على التعوّد والتكيّف يستطيع الحفاظ على مظهر جميل ومتسق مع مكانته والإمكانيات دون أن يبتعد عن كونه طبيعياً ومتواضعاً في الوقت نفسه، المهم أن يكون بعيداً عن التكلف، وأن يعكس احتراماً لذاته وشعوراً بالسلام الداخلي.
المعروف إن ثقافة الاستهلاك تفاقم من حالة الجشع تجاه التملك واستمرارية الشراء والاستحواذ على أكثر ما يمكن من الأشياء، دون أن يمثل هذا النمط أو يعبر عن حاجة حقيقية بقدر ما يدل على مرض وهوس لا أكثر. إن التوجه نحو استهلاك أقل يعد أحد جوانب الحياة البسيطة، وهذا يحتاج إلى تربية وإرادة وتفكير في كيفية تأثير اختياراتنا على البيئة والمجتمع. فبدلاً من الانجراف وراء الإعلانات التي تدعو إلى شراء المزيد، يمكننا اختيار خيارات أكثر ضرورة واستدامة وترشيداً للاستهلاك، وهو أمر يمكن أن يعزز من جودة الحياة للجميع، لنا، وللبيئة وللموارد.