في حياتنا جميعاً أشخاص يحبوننا ونحبهم ليس كحب الآخرين، ولكن بكيفية وفلسفة وسلوك قد لا يبدو مفهوماً لنا أحياناً، هؤلاء الأشخاص غالباً ما يحبونك بشكل مختلف ويتمنون لك ما لا يستطيع الآخرون أن يتمنوه لك، كوالديك، كصديقك..، وفي واحدة من مظاهر هذا الحب، قد يطلب منك هذا الشخص أن تنطلق بعيداً عنه، إن وجود حدود معينة لعلاقته بك، أمر لصالحك، ليس لأنه لا يحبك، أو لأنه تغير تجاهك، بل لأن الحب الحقيقي يتطلب أن تترك للآخر حرية التجربة والنمو بعيداً وبحرية، لذلك فهو لا يريد أن يضع قيوداً على تطورك أو يعيق سير حياتك.
الابتعاد هنا لا علاقة له بقلة، أو انعدام الاهتمام أو الانسحاب أو التخلي، بل هو دعوة لشريكك أو صديقك أو ابنك لأن يواجه العالم بذاته، ليتعلم من تجاربه ويصبح أكثر قوة وثقة. هذا معناه أنك تدفع بمن تحب بعيداً عنك، لأن في ذلك البعيد فرصة للبحث والحصول على فرص ومعانٍ جديدة واكتشاف ما لا يعرفه الإنسان عن نفسه من قدرات ومهارات وإمكانيات.
هذا يعني أن الشخص الذي يحبك بصدق، حين يبعدك عنه، إنما يفعل ذلك لأنه يتمنى لك أن تكون قوياً ومستقلاً، وأن تكون لديك القدرة على اتخاذ قراراتك الخاصة والاعتماد على نفسك، كما تفعل الأسرة حين ترسل ابنها لآخر الدنيا كي يتعلم، وحين ضحت الأمهات كما في فيلم (قطار الأطفال) ودفعن أطفالهن للذهاب بعيداً لإنقاذهم من حياة الفقر والعوز في مدينتهم!
وهناك زاوية أخرى يمكن أن ننظر للأمر من خلالها (قد تظهر جانباً من الأنانية) فقد يكون هذا الشخص الذي يبعدك في حاجة إلى الوقت والفضاء ليكتشف نفسه ويستمتع بحياته أيضاً. قد يكون الابتعاد فرصة له لكي يحقق نمواً شخصياً ويكتسب حكمة جديدة. وعند التقائك بعد فترة من الوقت، سيكون كل منكما قد مر بتجربة مختلفة، مما يسهم في تقديم علاقة أكثر نضجاً وصحة.
إن هذا النوع من الحب الذي يبتعد ويرسلك إلى الخارج هو حب حقيقي، لأنه يريدك أن ترى الحياة بمنظار أكبر وتحقق الشخص الذي تسعى لأن تكونه، بعيداً عن القيود ومحدودية الأنانية.