«دمشقي» العمل الأدبي البديع الذي كتبته الروائية المعمارية الفلسطينية (سعاد العامري)، وهو في خلاصته، بدءاً بعنوانه، سرد توثيقي متدفق يتناول تاريخاً عائلياً خالصاً لعائلة دمشقية يمتد تاريخها لثلاثة أجيال، وخلال قرن ونصف من الزمان، بدءاً بميلاد الجد أو الأب الأكبر للعائلة (نعمان البارودي) في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر.
تكتب سعاد العامري حكاية هذه العائلة البرجوازية الكبيرة التي يتمدد نسبها وأماكن عيشها وتنقلاتها، على جغرافيا ما كان يسمى ببلاد الشام قديماً، قبل فترة الاستعمار وتكوين إسرائيل، حيث تبدأ تشابكات خيوط العمل باللحظة التي يتزوج فيها الشاب الدمشقي الثري بالفتاة الفلسطينية من قرية عرابة، ويأخذها لتعيش هناك في القصر المنيف الفخم الذي لا مثيل له في عمرانه ونقوشه وتفاصيله وبذخه ومستوى الأناقة والكرم والنفوذ الذي يعبق في جوانبه، ويظل كذلك حتى اللحظة التي يتوقف فيها الزمن تماماً، وتتوقف عقارب الساعة، ويفقد ياسمين الدار رائحته، تلك لحظة وفاة الجد الكبير نعمان البارودي!
ونعمان في النص الروائي هو الجد الكبير للكاتبة سعاد (تستعير له اسماً روائياً) خالطة السرد بالسيرة والتوثيق، في محاولة لامعة وموفقة لخلق نص هجين بين السيرة والمذكرات والعمل التخيلي، حتى إن القارئ لا يعرف أحياناً الحدود الفاصلة بين الرواية والحقيقة، بين ما هو واقعي فعلاً كأحداث وشخصيات، وبين الخيال الأدبي، وهنا مكمن إحدى متع العمل.
أما المتعة والجمال فيكمنان في الفكرة الأساسية للرواية، وهي دمشق المدينة بكل تفصيلاتها التي كانت في تلك السنوات البعيدة، هي فكرة البيت وما يعنيه باعتباره تاريخاً موازياً للهوية والانتماء والرابط الحقيقي لأسرة يزيد عدد أفرادها على الخمسين شخصاً، إذا اجتمعوا على الغداء في نهار الجمعة يتناولون أنواعاً وأشكالاً من الأطعمة والأطباق لا تعد ولا تحصى، على سبيل توثيق جزء من ثقافة هذه المدينة الغائرة في القدم، والمضمخة بالعراقة والحضارة.
تكتب الفلسطينية سعاد العامري بوعي المعمارية التي تفهم أن البيوت ليست حجارة فقط، بل أسئلة كبرى: لمن ننتمي؟ أين نعود إن صارت البيوت أطلالاً؟ وكيف نواصل الحياة إن لم نجد غرفة نغلق بابها علينا؟ دمشق في الرواية ليست مدينة فقط، بل استعارة كبرى لكل مدينة عربية تكاد تسقط كل يوم، ثم تبقى واقفة على شرفة الحنين والذاكرة والحضارة.