البحث عن المعنى

في السنوات القليلة الماضية ومع تدفق المعلومات على رؤوس البشر بشكل ودرجة غير مسبوقين، بسبب ثورة التكنولوجيا ووسائل التواصل اللتين أسهمتا في تعدد مصادر المعرفة والمعلومات إلى المستوى الذي أصاب الإنسان بتخمة حقيقية جعلته متردداً ومرتبكاً في علاقته مع المصادر الأولى للمعرفة ألا وهي الكتب والصحف والمكتبات، التي دفعت ثمن تكنولوجيا التواصل كما هو واضح لنا جميعاً.

لم يعد الناس اليوم يفتقدون الكتب أو الصحف، لم يعودوا كما السابق يتابعون كتّاباً معينين بشكل يومي، ويبدأون نهارهم مع قهوة الصباح والجريدة كما كنا نفعل، بل حتى إن بعضهم وبسبب هجرهم للصحف، لم يعودوا يتذكرون كتّاباً وصحفيين كانوا ملتصقين بمقالاتهم، لأن وسائل التواصل سرقت الوقت لصالحها (بالمعنى الحرفي للسرقة).

لكن لماذا على الإنسان أن يقرأ؟ لماذا نشعر بكل هذه الحسرة أو الأسى، لأن الناس هجرت الكتب إلى ثرثرة «السوشال ميديا» وتركت القراءة الحقيقية والمفيدة لتهدر جل أوقاتها في متابعة من يطلق عليهم المؤثرون ونشطاء مواقع التواصل الذين لا يفعل معظمهم شيئاً سوى إما الطواف طيلة الوقت على المطاعم أو التنقل بين المحلات أو التسكع في شوارع المدن دون أية قدرة على تقديم معلومة مفيدة أو معنى ذي قيمة؟

قد يقول أحدكم إن هذا النمط من المتابعة أو المشاهدة أسهل وأكثر تناسباً مع احتياجات إنسان اليوم الخاضع للكثير من الضغوط والأزمات، وهو عذر لا يقدم إجابة مقنعة. وفي ظني أن ابتعاد الإنسان بشكل عام عن البحث عن المعنى والتعمق في أهداف وسببية الوجود يعد سبباً رئيسياً، حيث فقد الكثير من الناس إيمانهم بالعديد من القيم للأسف الشديد.

إن ما تفعله القراءة يدخل في صلب ما يطلق عليه إعادة بناء المعنى، فالإنسان يتألم ويشعر بفراغ حقيقي حين يفقد «المعنى» لما يحدث له، والحقيقة أن ما يحدث له وما يمر به من ظروف وكوارث في كل مكان، يجب ألا يدفعه للتخلي عن الإيمان والبحث عن الحقيقة بل العكس، ولا شك أن القراءة تفتح له احتمالات تفاسير جديدة للحياة، وتساعده على إعادة ترتيب أفكاره وشعوره تجاه الألم بالتماهي مع شخصيات القصص والكتب.