سأل أحد المتابعين شخصاً يقدم نفسه لمتابعيه على أنه رجل معني بالثقافة وحرية الفكر، وهذا هو تعريفه على صفحاته الرسمية، كان السؤال مباشراً وواضحاً:
رشح لي كتباً أقرؤها في الثقافة والفكر! وكان على المثقف المعني بالحرية والفكر إما أن يرشح كتباً وإما أن يعتذر وهو حر في الاثنين معاً، لكنه لف ودار وتفلسف، وهو حر في أن يلف ويدور ويتفلسف كذلك!
لكنه أجاب السائل بجواب يمكنني اختصاره بهذه العبارة: (لا يمكنني أن أرشح لك كتباً لأنني لا أعرفك أولاً ولا أعرف مستواك واهتماماتك، وإن ما يهمني غير ما يهمك، ثم (وهنا مكمن العقدة) لا يجوز لأحد أن يرشح كتاباً لأحد لأن ذلك يعني توجيهاً مباشراً لعقله يجعله قادراً على التأثير عليه والسيطرة على عقله والتحكم فيه!).
ولأن متابعة أخرى صدقت بأنه مثقف مهتم بحرية الرأي، فقد كتبت له: (لا يا سيدي، فقد تقرأ أنت كتاباً، وأقرأ أنا ذات الكتاب، فتخرج أنت من باب وأخرج أنا من آخر، ويجيبك الكتاب عن السؤال.
بينما يراكم في داخلي عشرات الأسئلة التي تبقى بلا جواب.. ولو أن التوصية بكتاب لأحد معناها توجيه لعقله، وبالتالي التحكم فيه والسيطرة عليه، لكان لزاماً أن يكون لكل فرد كاتب ومكتبة خاصة به لا يتشاركها مع أحد، حجتك لم تقنعني.. والسلام).
لقد كانت تنتظر منه أن يناقشها أو يرد عليها بأي رد حتى وإن كان مقتضباً، أو يشكر اهتمامها على الأقل كأضعف الإيمان، لكنه ويا للثقافة والمثقف، ويا لحرية الفكر حين يصير لها معنى أعمق وأوسع وأصعب مما نفهمه نحن البسطاء، فالرجل لم يختر أياً من الخيارات المتاحة تلك، بل كتب لها (بلوك للأغبياء) ثم قام بحظرها! وذهب في تطبيق آخر وكتب لها (سخيفة ومتعجرفة) وحظرها كذلك!
لطالما كان التناقض والادعاء المقيت وانفصام الشخصية أكثر أمراض أدعياء الثقافة، ففي داخل كل واحد منهم صنم يريد من الآخرين أن لا يقفوا ليناقشوه، بل ليكرروا تعاليمه ويعبدوه للأسف الشديد، لكن «السوشال ميديا» إن لم يكن لها من منفعة إطلاقاً، فيكفي أنها عرّت وكشفت أمثال هؤلاء!