قوة الاستغناء

كتاب «الاستغناء في الاستثناء» لشهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبدالرحمن القرافي، المتوفى عام 684 هـ، يعد هذا الكتاب أول دراسة في استثناءات القرآن الكريم، فهو كتاب يشتمل على مباحث نحوية وتفسيرية، وأدبية وأصولية، وفروعية.

وهو أول كتاب بالنسبة لي قرأت في عنوانه لفظة الاستغناء كمنهج أو فلسفة.

أما الاستغناء الذي هو موضوعنا اليوم، فيتعلق بفلسفة مغايرة تماماً لخصها كتابان ظهرا في السنوات الأخيرة، أحدهما بعنوان «فن الاستغناء» والآخر «قوة التخلي»، وهما من كتب التنمية الذاتية، التي يحاول أصحابها تقديم الإرشادات السلوكية والنفسية التي تساعد البعض في تغيير أو إعادة ترتيب حياتهم انطلاقاً من معالجة أو التخلص من أزمات وعوائق تجعلهم لا يطيقون حياتهم، ولا يتقدمون خطوة باتجاه تحقيق أحلامهم والارتقاء بقدراتهم.

وقوة الاستغناء كما جاء في سياق هذه الكتب، تشير إلى مفهوم «التخلي عن الأشياء التي تعيق التقدم والسعادة في الحياة، سواء كانت مادية أو عاطفية أو أفكاراً سلبية»، حيث يركز هذا المفهوم على أهمية التخلص من التعلق الزائد بالأشياء والأشخاص، والتركيز على ما هو أساسي ومفيد لتحقيق السلام الداخلي والرضا.

وبهذا فإن الشخص الذي يتمكن من امتلاك هذه القدرة (الاستغناء) يكون قد امتلك قوة عظيمة وعميقة وهادئة في الوقت نفسه، لا ترى ولا تثير ضجيجاً ولا غباراً، لكنها تترك أثراً مدوّياً يمنح صاحبها الكثير من الصلابة والثقة والحرية.

هي لا تريد من صاحبها أن يحارب أحداً سوى تخاذله وضعف نفسه وتشوش عقله، ليتمكن من تحديد أهدافه والإجابة عن أسئلة من قبيل: ماذا تريد من هذه الحياة أو في هذه الحياة؟ هل أنت راضٍ عن حياتك على ما هي عليه؟ هل أنت سعيد مع من تعيش معهم؟ أو في المكان الذي تعيش فيه؟ هل يمكنك أن تستمر على ما أنت عليه دون أذى؟ وهل يمكنك أن تحقق ما تريد بسلام ودون تحديات وصدامات وتهديدات؟ إذا كانت الإجابة (لا)، فلا بدّ من التفكير في الاستغناء فوراً حتى تعيش الحياة التي تستحقها وتكون الشخص الذي تحلم به وتستحقه!