ماذا تفعل بنا العزلة؟ 1-2

تجربة العزلة داخل كهف لمدة 6 أشهر متواصلة، والتي قام بها عالم الكهوف ميشيل سيفر عام 1972، وتحدثت عنها في مقال البارحة، كانت واحدة في سلسلة تجارب عزلة خاضها لدراسة علاقة الإنسان بالزمن وحقيقة الساعة البيولوجية، التي تضبط إيقاع صحوه ونومه، وعلاقة كل ذلك بدورات الزمن وتعاقب الليل والنهار، إلا أن تجربة عام 1972 كانت أكثرها تطرفاً وقسوة، وقد عانى كثيراً من نتائجها على قواه العقلية وذاكرته. مع ذلك لم يتوقف وكرر التجربة مجدداً.

قال في الملاحظات التي سجلها حول التجربة: «كنت أعيش في عالم من دون صباحات ولا مساءات، فقط لحظات متواصلة من الوجود المبهم والمشوش، شعرت أحياناً بأنني خارج الزمن تماماً، وكأنني أعيش في فراغ»، لكن السؤال كيف عاش سيفر داخل ذلك الكهف عازلاً نفسه على عمق 134 متراً ولمدة ستة أشهر؟

سكن سيفر داخل الكهف في خيمة صغيرة، بدون أن يكون لديه ساعة أو تقويم أو ضوء طبيعي، تواصله الوحيد مع فريق البحث في الأعلى كان يتم من خلال هاتف خطي يستخدمه للإبلاغ عن حالته الصحية أو طلب الطعام، ولم يكن مسموحاً لأحد أن يخبره بالوقت أو كم مر عليه من الزمن في الداخل، أما هو فكان يسجل أنشطته اليومية، كوقت استيقاظه، أكله، قراءته، ونومه، بناء على إحساسه الشخصي بالزمن، أما الضوء الوحيد الذي كان بحوزته فهو مصباح يدوي يستخدمه عندما يحتاجه.

فما هي النتائج التي توصل إليها؟ أولاً أنشأ عقله توقيته الخاص منفصلاً عن الساعة البيولوجية والزمن الحقيقي، وبدأ سلوكه يتشوش نتيجة لذلك، فبينما يعتقد أن الأيام تمر بشكل طبيعي كان يمارس نوماً طويلاً، وساعات يقظة مضاعفة دون أن يشعر، وفي اليوم الذي ظن أنه أكمل يومين كان قد مضى عليه خمسة أيام فعلية!

بدأ عقله يفقد إحساسه بالوقت تماماً، ودخل في حالة نفسية وكأنه يعيش داخل حلم، ما يعني زيادة في ساعات النوم والتأمل، وفي ظل هذا الفراغ الوجودي بدأ يعاني من الهلوسات.