في الولايات المتحدة، يواصل عدد متزايد من كبار السن العمل حتى بعد بلوغهم الثمانين من العمر، رغم التحديات الصحية الجسدية والعقلية الكبيرة.
يعود السبب في ذلك إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الحاجة المالية، والرغبة في البقاء نشطين، والحفاظ على هدف ومعنى للحياة.
يوضح الواقع أن العمل في هذا العمر لا يمثل رفاهية فقط، بل ضرورة لكثيرين ممن لا يمتلكون مدخرات كافية لتغطية نفقاتهم المعيشية والطبية.
باتريشيا ويلسون، البالغة من العمر 93 عاماً، تمثل نموذجاً حياً على عزيمة كبار السن.
فقد تعرضت في ديسمبر الماضي لإصابة بساقها وكسر في ظهرها، لكنها رغم ذلك تبحث عن وظيفة عن بعد، وتدير أعمال تأجير منازل صغيرة مع ابنتها.
تصف ويلسون حياتها اليومية بأنها تحدٍ مستمر بين إدارة أعمالها، ومتابعة نفقاتها، والبحث عن فرص عمل جديدة.
تقول: "أنا بحاجة فعلاً إلى وظيفة"، مشيرة إلى أن العمل يوفر لها شعوراً بالاستقلالية، رغم التحديات الصحية المستمرة.
جين واي، البالغة من العمر 84 عاماً، تواجه إعاقتها الحركية بالعمل عن بعد كمحاسبة في دار أيتام بجنوب إفريقيا.
تعيش مع ابنها وحفيدها، وتعتمد على راتبها الضئيل والضمان الاجتماعي لتغطية مصاريفها اليومية.
تقول: "أعتزم العمل عندما أبلغ المئة، سنرى إن كان ذلك سيحدث"، مشيرة إلى أنها تعتبر العمل وسيلة للحفاظ على نشاطها العقلي واستقلاليتها المالية.
ديفيد هوغو باريت، البالغ من العمر 82 عاماً، يعمل مدرساً بديلاً، بعدما أمضى عقوداً كمهندس. يدرس الطلاب دروساً حياتية حول العمل الجاد وأهمية التعلم المستمر، بينما يعاني من اعتلال الأعصاب والوذمة اللمفية.
بالنسبة له، العمل يمثل جزءًا من حياته اليومية، ويمنحه شعوراً بالقيمة والإنجاز.
أرديل ريختر، 84 عامًا، تعمل في مجال مبيعات العقارات، لكنها اضطرت لتقليل دخلها بعد وفاة زوجها وصعوبات السوق العقاري. تتعامل يوميًا مع ضغوط العمل والصحة، لكنها تصر على الاستمرار رغم الإرهاق، مستعينة بالوظائف المرنة التي تسمح لها بالبقاء نشطة مالياً.
توضح هذه الأمثلة أن كبار السن الأمريكيين لا يعملون فقط بدافع المال، بل أيضاً بحثاً عن هدف ومعنى للحياة، واستقلالية، والحفاظ على نشاطهم الذهني والاجتماعي.
ومع ذلك، فإنهم يواجهون تحديات كبيرة، منها الأمراض المزمنة مثل التهاب المفاصل، مشاكل القلب، ضعف الحركة، وفقدان السمع، بالإضافة إلى التمييز على أساس العمر في سوق العمل.
تشير الدراسات إلى أن العمل في هذه المرحلة العمرية يمكن أن يكون مفيداً صحياً إذا كان مرناً ومناسباً للقدرات البدنية، لكنه قد يشكل خطرًا على أولئك الذين يضطرون للعمل في وظائف تتطلب مجهوداً بدنياً كبيراً أو يفتقرون إلى الرعاية الصحية المناسبة.
ووفق بيزنس إنسايدر فإن نحو 550 ألف أمريكي فوق سن الثمانين لا يزالون يعملون، ما يعكس زيادة في الاعتماد على كبار السن في سوق العمل مع الشيخوخة السكانية.
تظهر قصص باتريشيا ويلسون، جين واي، ديفيد باريت، وأرديل ريختر أن كبار السن ليسوا عبئاً، بل عنصر فعال يسهم في الاقتصاد والمجتمع، فهم مثال على الإرادة والتصميم، ويقدمون درساً مهماً حول قيمة العمل والمعنى المستمر للحياة، حتى في مراحل العمر المتقدمة، مع أهمية توفير بيئات عمل مرنة وسياسات صحية تراعي احتياجاتهم.

