هل المكملات الغذائية هي الحل السحري لتعويض الفيتامينات والمعادن؟

تشير بعض الدراسات إلى عدم وجود فوائد صحية واضحة للمكملات الغذائية، في حين تُظهر دراسات أخرى أنها قد تضر بالصحة. فماذا تقول الأدلة حقًا؟ هل يجب علينا جميعًا تناول مكملات الفيتامينات، أم أن الأمر يقتصر على بعض الأشخاص فقط؟ وهل هناك من يحتاج فعلاً إلى تناولها؟ تبلغ قيمة سوق مكملات الفيتامينات والمعادن نحو 32.7 مليار دولار، ويعترف أكثر من 74% من الأمريكيين وثُلثا البريطانيين باستخدامها بهدف تحسين صحتهم.

الفيتامينات والمعادن هي مركّبات لا يصنعها جسمنا، لكنها ضرورية لصحتنا. ونظرًا لأننا لا نستطيع إنتاجها، يجب أن نحصل عليها من طعامنا. ومن الأمثلة على ذلك: فيتامين أ، الضروري للرؤية الجيدة والحفاظ على بشرة صحية؛ وفيتامين سي، الضروري لجهاز مناعي صحي؛ وفيتامين ك، الضروري لتخثر الدم. أما المعادن الأساسية فهي الكالسيوم والماغنيسيوم والسيلينيوم والبوتاسيوم وغيرها، التي تُصنف كمغذيات دقيقة لأنها نحتاجها بكميات صغيرة مقارنةً بالمغذيات الكبرى مثل الكربوهيدرات والبروتينات والدهون.

وفي الحقيقة لا يوجد أي مكمل غذائي يحل محل نظام غذائي صحي ومتوازن. لذلك، فإن أفضل طريقة لتلبية احتياجات الجسم من الفيتامينات هي من خلال تناول الكثير من الخضروات الورقية والفواكه والحبوب والمكسرات ومنتجات الألبان والأسماك.

وفي السياق يؤكد دكتور بيس داوسون هيوز، من مركز أبحاث التغذية البشرية والشيخوخة التابع لوزارة الزراعة الأمريكية وأستاذ الطب في جامعة تافتس، أن النظرية القائلة بأن تناول كميات كبيرة من فيتامين سي يمكن أن يساعد في الوقاية من نزلات البرد كانت رائجة في العالم الغربي في السبعينات، بفضل أشخاص مثل لينوس بولينج، الكيميائي الحائز على جائزة نوبل، الذي ادعى أن تناول حتى 50 ضعف الجرعة الموصى بها من فيتامين سي يمكن أن يعالج أشياء مثل الإنفلونزا، والأمراض القلبية، والماء الأبيض، وحتى السرطان.

وعلى الرغم من أن فكرة أن تناول جرعات زائدة من فيتامين سي يمكن أن يعالج البرد قد دُحِضت بشكل كبير، إلا أن كثيرين ما زالوا متمسكين بهذه المعتقدات.

عبر وسائل التواصل الاجتماعي يروّج العديد من المؤثرين لأهمية تناول أنواع من المكملات الغذائية لعلامات تجارية محددة تصل إلى 500% أو حتى 1000% من مستويات الجرعة اليومية الموصى بها من المغذيات الدقيقة، رغم أن مكملات الفيتامينات بشكل عام تفتقر إلى التنظيم، وتحتوي على مكونات غير مدرجة، ولا تستند إلى تجارب عشوائية محكمة، وهي المعايير الذهبية للأبحاث الطبية. كما أن الجرعة المفرطة من الفيتامينات والمعادن يمكن أن تكون خطيرة.

وفقًا لمعهد الصحة الوطني الأمريكي (NIH)، فإن الإفراط في فيتامين A يمكن أن يسبب صداعًا شديدًا، وضبابية الرؤية، والغثيان، والدوخة، وآلامًا في العضلات، ومشاكل في التنسيق. وفي الحالات الشديدة، يمكن أن يؤدي تناول كمية زائدة من فيتامين A إلى الغيبوبة والوفاة.

أما التجارب السريرية التي أُجريت على الفيتامينات والمعادن فقد تكون نتائجها متناقضة، وتشير إلى أن الفائدة المحتملة من تناول مكملات الفيتامينات تعتمد إلى حد كبير على الشخص ونوع المغذيات الدقيقة الموجودة في المكمل.

ركزت بعض التجارب المبكرة على مضادات الأكسدة، وهي جزيئات تعمل على تحييد المركبات الضارة المعروفة بالجذور الحرة، وهي جزيئات غير مستقرة تتفاعل وتدمر الخلايا والحمض النووي.

قد يبدو منطقيًا أن زيادة تناول مضادات الأكسدة تساعد في الوقاية من المرض، لكن أظهرت تجارب خاضعة للتحكم الوهمي وأُجريت على يد جوآن مانسون، أستاذ علم الوبائيات في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، أن مضادات الأكسدة "بيتا-كاروتين" و"فيتامين سي" و"فيتامين إي" ليس لها تأثير في الوقاية من السرطان أو أمراض القلب.

وفي الواقع، تشير بعض الدراسات إلى أن تناول كميات كبيرة من مضادات الأكسدة قد يضر الصحة؛ تتزايد الأدلة من التجارب السريرية العشوائية على أن تناول كميات كبيرة من مكملات بيتا-كاروتين قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة، خاصة إذا كان المدخنون.

وفي الوقت نفسه، أظهرت دراسة أشرف عليها الدكتور مانسون أن تناول كميات كبيرة من فيتامين إي مرتبط بزيادة خطر السكتة الدماغية.

ويقول مانسون: إن فيتامين إي يمتلك تأثيرًا مميّعًا للدم، لذا فإن الجرعات العالية منه تجعل الدم أقل قدرة على التجلط، مما يرفع خطر النزيف في الدماغ. كما أن هناك خطر أن تتحول مضادات الأكسدة بكميات عالية جدًا إلى مواد مؤكسدة، بحيث تعزز عملية الأكسدة بدلًا من منعها.

وأضاف أن تناول كميات عالية جدًا من مغذيات دقيقة مفردة يمكن أن يتداخل أيضًا مع امتصاص مغذيات دقيقة أخرى مشابهة. فمثلاً، يُعتقد أن تناول الكثير من" بيتا-كاروتين" يضر لأنه يتداخل مع امتصاص الكاروتينات الأخرى مثل اللوتين الموجودة في الخضروات الورقية مثل السبانخ والكرنب.

على الرغم من أن مكملات فيتامين D لم تؤثر على انتشار أمراض القلب والسكتات الدماغية أو السرطان بشكل عام، فقد لوحظ انخفاض بنسبة 17% في وفيات السرطان بين المجموعة التي تناولت فيتامين D.

وعندما ركّزت الدراسة على الأفراد الذين كانوا يتناولون فيتامين D لمدة عامين أو أكثر، لوحظ انخفاض كبير بنسبة 25% في وفيات السرطان و17% في السرطانات المتقدمة المنتشرة.

يقول مانسون: “ربما يؤثر فيتامين D على بيولوجيا خلايا الورم ليجعلها أقل عدوانية وأقل عرضة للانتقال، لكنه لا يؤثر على التشخيص الأولي للسرطان.

” كما أظهرت  دراسة مانسون أن مكملات فيتامين D تقلل بشكل كبير من معدل الإصابة بأمراض المناعة الذاتية مثل الروماتويد والصدفية.

وبما أن فيتامين D ضروري للحفاظ على عظام صحية، غالبًا ما يقال إن تناول حبوب فيتامين D يوميًا يمكن أن يمنع كسور العظام، خاصة عند كبار السن.

وجدت دراسة فرنسية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أن كبار السن، خاصة النساء في دور الرعاية، قد يستفيدون من مكملات فيتامين D.

ومع ذلك، فإن الأدلة اللاحقة كانت متباينة؛ فقد وجدت  الدراسة  أن فيتامين D لم يمنع كسور العظام، كما أن دراستين أخريين، هما دراسة Viva وD-Health، لم تظهرا فائدة كبيرة من تناول مكملات فيتامين D للكسور أو السقوط.

ومع ذلك، قد يكون السبب أن المشاركين في التجارب كانوا بالفعل يمتلكون مستويات كافية من فيتامين D، وفقًا لـ Dawson-Hughe