بـــ 939 دولاراً "برادا" تحرر" الهند من الاستيلاء الثقافي!

تعرض علامات الأزياء الفاخرة باستمرار لانتقادات تتعلق بـ "الاستيلاء الثقافي"، لكن علامة "  برادا"  الإيطالية العريقة  قررت أن تدفع ثمن التوبة بطريقة مادية ومثيرة للجدل.

بعد مواجهتها أزمة إثر استخدام تصميم صندل "كولابوري"  الهندي التقليدي دون إسناد، أعلنت برادا عن شراكة رسمية مع كيانات حكومية وحرفييها.

هذا التحول ليس مجرد إطلاق منتج جديد؛ إنه محاولة لـ "شراء" المصداقية الأخلاقية من خلال إنتاج الصندل محلياً، لكن التساؤل يظل قائماً: هل يمكن لـ 939 دولاراً أمريكياً، وهو سعر البيع الصادم للزوج الواحد، أن يمحو خطيئة الاستيلاء الثقافي ويضمن "تحريراً" حقيقياً للهوية الحرفية الهندية؟

تعود جذور هذه الأزمة إلى يونيو الماضي، عندما عرضت "برادا" صنادل بتصميم مضفر ومفتوح من الأمام، يشبه إلى حد كبير صندل "كولابوري" التقليدي، وهو حذاء جلدي يدوي الصنع نشأ في ولايتي ماهاراشترا وكارناتاكا الهندية،

ويُعتقد أن تاريخه يعود إلى القرن الثاني عشر،  الأزمة بدأت عندما وصفت  دار " برادا " المنتج ببساطة بأنه "أحذية جلدية" ولم تذكر إطلاقاً أصوله الهندية، مما أثار غضباً واسعاً واتهامات مباشرة بالاستيلاء الثقافي.

وقد أعرب العديد من الحرفيين الهنود، الذين يعتمدون على هذا التراث في رزقهم، عن حزنهم لاستخدام تصميمهم دون الإشارة إلى أصله، هذا التجاهل دفع "برادا" لاحقاً للاعتراف بالجذور الهندية والبدء في محادثات مع غرفة التجارة المحلية، والتي أثمرت عن الاتفاقية الراهنة.

لقد تم توثيق تفاصيل هذه الشراكة المعلن عنها خلال "منتدى الأعمال الإيطالي-الهندي 2025" بالكامل في بيانات رسمية، مما يمنحها ثقلاً إخبارياً كبيراً.

ويُظهر تحليل هذه البيانات أن الاتفاقية الموقعة، والتي تمتد مبدئياً لخمس سنوات، تركز على مجموعة محدودة الإصدار تقتصر على 2,000 زوج فقط.

وتؤكد برادا أن سعر البيع سيبدأ من 939 دولاراً أمريكياً للزوج الواحد (ما يعادل 84,000 روبية هندية)، حيث سيتم الإنتاج في ولايتي ماهاراشترا وكارناتاكا الهنديتين.

أما فيما يخص الجانب التنموي، فقد أكد وزير العدالة الاجتماعية الهندي، سانجاي شيرسات، أن الاتفاقية تتضمن استثماراً في المهارات من خلال تدريب 200 حرفي في إيطاليا لمدة ثلاث سنوات، بدعم مالي من حكومة ماهاراشترا، بينما ستحمل المجموعة رسمياً اسم "برادا صنع في الهند - مستوحاة من شباشب كولابوري".

جاءت هذه الشراكة كنتيجة مباشرة للانتقادات التي تعرضت لها" برادا"، والتي دفعتها للاعتراف بالجذور الهندية للتصميم، وقد أكد لورينزو بيرتيلي، رئيس المسؤولية الاجتماعية لدى "برادا" ، أن الهدف هو "خلط القدرات المعيارية للمُصنِّع الأصلي مع تقنيات التصنيع الخاصة بنا".

هذا التكتيك لا يهدف فقط إلى تحسين صورة العلامة التجارية، بل يمثل استثماراً ملموساً في تطوير الحرفية؛ حيث تضمن الاتفاقية تدريباً متقدماً للحرفيين الهنود، مما يرفع من جودة المنتج المحلي ويضمن مستقبلاً أكثر استدامة لمهنة صُنعت يدوياً.

ويأتي قرار "برادا" بصبغة شراكة رسمية كمحاولة لمعالجة سياق أوسع من الانتقادات التي تواجهها العلامات الفاخرة، بما في ذلك "برادا "نفسها التي سبق أن تورطت في جدل حول تصاميم اعتبرت مسيئة أو مستولى عليها (مثل قضية "الأشباح القردة" في عام 2018).

هذا التحرك يتماشى مع اتجاه عالمي جديد تتبناه الدور الكبرى لتأمين "الاستدامة الثقافية" لأعمالها، والابتعاد عن تهمة الاستيلاء التي أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على سمعتها وقيمتها السوقية.

فبدلاً من المخاطرة، اختارت" برادا" الدخول في تعاون رسمي يمنحها "شهادة فاخرة" لأصالة المنتج ، ومع ذلك، يبرز التحدي الأخلاقي والاقتصادي في ظل فجوة الأسعار الهائلة.

إن بيع الصندل بسعر 939 دولاراً، أي أكثر من 150 ضعف سعره المحلي، يضع ضوءاً قوياً على القيمة التي تضيفها العلامة الفاخرة لمنتج تراثي.

فبينما يتم دفع ثمن باهظ لـ "تحرير" الصندل من غياب الاعتراف، فإن السؤال يبقى حول حجم العائد الذي سيذهب مباشرة لتمكين الحرفيين، وكيف سيساهم هذا النموذج في رفع القيمة الدائمة للصناعة الهندية بدلاً من مجرد كونه مشروعاً محدوداً ومرتفع التكلفة؟!