البحث عن هوية خاصة؛ إشكالية تعود إلى البدايات الأولى لانطلاق المسرح العربي قبل أكثر من 170 عاماً، على يد مارون النقاش (1817 - 1855م). ويرى بعض المتخصصين، منهم الكاتب والناقد المسرحي جوان جان، أن هناك محاولات حثيثة لإيجاد هوية خاصة بالمسرح العربي، بينما يؤكد آخرون، ومن بينهم الكاتب والمخرج سامر محمد إسماعيل، أن البحث عن هوية للمسرح العربي في غير محله، وضرب من الجدل البيزنطي.
يقول جوان جان: «عكف الكتاب المسرحيون العرب منذ أن عرفت الأرض العربية فن المسرح بشكله المتعارف عليه على القيام بمحاولات حثيثة لإيجاد شكل محدد وهوية خاصة به، ربما لشعورهم أن هذا الفن وافد على المنطقة العربية، وغريب عن مداراتها الثقافية المعتادة على فنون القول والخطابة، من شعر وفصاحة وما شابه، ولا شك أن الكتاب المسرحيين العرب في سعيهم هذا قد انطلقوا من نوايا حسنة تجاه المسرح وجمهوره، وقد وضعوا نصب أعينهم هدفاً أعلى وأسمى هو تحقيق حالة من التواصل والتماهي بين الجمهور بمعناه الواسع والمسرح».
ويتابع: «لكن الخطأ الأساسي الذي وقع به بعضهم، هو أن السعي نحو إيجاد شكل وهوية للمسرح العربي تحول مع مرور الزمن إلى هدف بحد ذاته، على حساب المضمون، الذي ينبغي أن يكون في الصف الأول من الاهتمام، لأن متلقي المسرح، والمتلقي العربي خصوصاً لا تعنيه طبيعة هوية المسرح المقدم إليه بقدر ما تعنيه المضامين، والأفكار، والرسائل».
ويضيف: «يلاحظ المتابع لمسيرة محاولات كتاب مسرحنا العربي إيجاد هوية خاصة به، كما سعى بعض المخرجين المسرحيين العرب نحو الهدف نفسه؛ وقد ظهرت دعوات مضادة حاولت التقليل من أهمية هذه المحاولات والحط من شأنها، بدعاوى اهتمامها بالشكل على حساب المضمون، وبالمظهر على حساب الجوهر، لذا نلاحظ، أن نسبة غير قليلة من مسرحيينا العرب المهتمين بإيجاد هوية خاصة بالمسرح العربي قد أخذوا بالاعتبار في أعمالهم كتابة وإخراجاً إقامة شكل من أشكال التوازن بين شكل المسرح العربي ومضمونه، بحيث لا يحلق على صعيد الشكل بعيداً عن الذائقة المسرحية العربية، وبالوقت نفسه يحافظ على صعيد المضمون على رسائله ومستواه الفكري الراقي».
ويستطرد: «يعتقد بعض المسرحيين العرب أن لغة العمل المسرحي تساهم بشكل أساسي في تحديد هوية وتكريس شكل مسرحي عربي متميز، ولا شك أن هذا الاعتقاد قد أثبت عدم صوابيته، وإن بشكل جزئي؛ ذلك أن المسرح العربي قد شهد العديد من التجارب التي تتخذ من اللهجات المحلية، أو العربية الفصحى لغة لها، بهدف التأثير على طبيعة هوية هذا المسرح».
الكاتب والمخرج، سامر محمد إسماعيل، رأى بالمقابل، أن البحث في هوية المسرح العربي ضرب من الجدل البيزنطي.
ويقول: «منذ ستينيات القرن الفائت حاول الكثيرون ذلك تحت شعار «تأصيل أصول المسرح العربي»».
ويتساءل، هل بحث الفرنسيون – على سبيل المثال - في تأصيل أصول المسرح الفرنسي.
هل يمكن الحديث عن مسرح صافٍ عرقياً في كل العالم.
هل يمكن الحديث عن مسرح فرنسي، بلا بيكيت، وأداموف، ويونسكو، وجورج شحادة؟ وهؤلاء كما نعلم ليسوا فرنسيين.
طبيعة
ويتابع: المسرح هو المشترك الإنساني، وطبيعة هذا الفن لا تسمح بهذا الطرح، بل لا يمكن أن نضع كلمة مسرح أمام عرق أو دين أو هوية.
إن المسرح ولد كفن من حاجة الإنسان أينما وجد للاجتماع والفرجة.
ولد كي يجمع لا أن يفرق، ثم ما الفائدة من فحص زمرة دم المسرح، سواء أكان عربياً، أم يابانياً، أم روسياً، أم أمريكياً، أم برازيلياً؟ معتبراً أنه لا يوجد اليوم أطروحة تقول بصفاء عرقي للمسرح.
بل هناك دعوات كانت بدأت مع البريطاني بيتر بروك، والإيطالي أوجينو باربا، والفرنسي انطونين آرتو للاستفادة من المسرح الشرق آسيوي، والعمل على توظيف مشهدياته في الريبرتوار الغربي، وكل يوم وكل سنة تزداد حركات المثاقفة للاطلاع على مشهديات مسرحية تغني المسارح القومية، وتجعلها تخرج من أتون المونولوجية أو خطاب الذات.
اندماج وتشاركية
ويضيف: «في الوقت الذي يبحث فيه البعض عن هوية نرى الآخر في الشرق والغرب يسعى للاندماج والتشاركية في الأفكار وأنماط الأداء الجديدة وغير المتداولة.
لا وصفة في المسرح كما في الفن عموماً لعرض أو أسلوب من أساليب التعبير. إن مثل هذه الأطروحات تجعلنا نمارس رفاهية فكرية على حساب إنجاز المتعة وتحقيق عروض قادرة على استقطاب شرائح جديدة إلى صالات المسرح».


