هتلر ليس يهودياً.. الحمض النووي "يفشل" في إثبات النكتة التاريخية الأكثر سخرية!

كشف وثائقي جديد عرضته "القناة الرابعة" البريطانية تحت عنوان "الحمض النووي لهتلر: الخريطة الجينية للدكتاتور"، عن نتائج مثيرة تزعم أن زعيم ألمانيا النازية كان يحمل علامة جينية لاضطراب وراثي نادر تسبب في تأخر بلوغه وتأثيرات جسدية بالغة الحساسية.

قادت هذا البحث، الذي استغرق أكثر من أربع سنوات، عالمة الوراثة الشهيرة "توري كينج"، الأستاذة بجامعة "باث" البريطانية، والتي اشتهرت سابقاً بتحديد رفات الملك ريتشارد الثالث.

وقد نجحت كينج في التحقق من عينة دم استُخلصت من قطعة قماش من الأريكة التي انتحر عليها هتلر في مخبئه عام 1945، وذلك عبر مقارنتها بالحمض النووي لأحد أقاربه الأحياء المؤكدين.

وأظهر التحليل الجيني أن هتلر كان يحمل طفرة في جين يُدعى (PROK2)، وهي طفرة مسببة لـ "متلازمة كالمان" وقصور الغدد التناسلية الخلقي. وتتميز هذه الحالات طبياً بانخفاض حاد في مستويات هرمون التستوستيرون، مما يؤدي إما إلى عدم المرور بمرحلة البلوغ نهائياً أو المرور ببلوغ جزئي فقط.

وتتطابق هذه النتائج العلمية مع سجلات تاريخية موثقة؛ ففي عام 1923، وأثناء إقامة هتلر في السجن عقب محاولة انقلاب فاشلة، سجلت وثيقة طبية معاناة الدكتاتورويرى المؤرخون المشاركون في الوثائقي، ومنهم "أليكس كاي" الخبير في تاريخ ألمانيا النازية، أن اكتشاف إصابته بمتلازمة "كالمان" يعد كشفاً جوهرياً قد يفسر غياب العلاقات الشخصية العميقة في حياة هتلر، ويقدم إجابات بيولوجية لظواهر سلوكية طالما حيرت الباحثين لأكثر من 20 عاماً.

بالإضافة إلى الجانب الطبي، حسم الوثائقي الجدل الطويل حول شائعات الأصول اليهودية لهتلر، وهي التكهنات التي نبعت من زعم حمل جدته أثناء عملها كخادمة في منزل عائلة يهودية.

حيث تتمحور الرواية الكاذبة حول "الجد الغامض"؛ ففي عام 1837، أنجبت جدة هتلر، ماريا شيكلجروبير، طفلاً غير شرعي (والد هتلر) ولم تذكر اسم الأب في السجلات، مما فتح الباب للشائعات.

انطلقت الشرارة الكبرى لهذه الرواية من مذكرات هانس فرانك، محامي هتلر الشخصي، الذي زعم قبل إعدامه في "نورنبيرغ" أن جدة هتلر كانت تعمل خادمة لدى عائلة يهودية تُدعى "فرانكنبيرجر" في مدينة غراتس النمساوية، وأن أحد أفرادها كان يدفع لها نفقة سراً لإعالة الطفل، مما يعني أن هتلر "ربع يهودي!!

لكن المؤرخين كشفوا لاحقاً زيف هذه القصة لثلاثة أسباب قاطعة، أولاً، لم تكن هناك عائلات يهودية تقيم في مدينة غراتس وقت وقوع الحادثة المزعومة، إذ كان القانون يمنع إقامتهم هناك حينها. ثانياً، لم يُعثر على أي أثر لعائلة باسم "فرانكنبيرجر" في سجلات المدينة، ثالثاً، وهو الدليل الحاسم، ما كشفه وثائقي "الحمض النووي لهتلر" في عام 2025، حيث أثبت تحليل الكروموسوم ، أن والد هتلر ينحدر جينياً من سلالة عائلة هتلر النمساوية الأصلية، مما يغلق للأبد ملف هذه الرواية التي لم تكن سوى أداة للابتزاز السياسي وصراع الهوية النفسي الذي دفع هتلر لارتكاب أبشع الجرائم لإثبات "نقائه العرقي" الموهوم.

فمن خلال تحليل بيانات الكروموسوم (Y)، أثبتت النتائج تطابقاً كاملاً مع خط النسب الذكوري لعائلة هتلر، مما ينفي تماماً وبشكل علمي قاطع وجود أي أصول يهودية من جهة والده.

وأكدت البروفيسورة كينج أن هذا التطابق الجيني لم يثبت فقط هوية الحمض النووي لهتلر، بل دحض للأبد الرواية المتداولة حول أصوله العرقية المختلطة.

وتعود قصة عينة الدم إلى عام 1945، عندما قام الكولونيل الأمريكي "روسويل روزنجرين" بقص قطعة من قماش الأريكة الملطخة بالدماء فور دخوله المخبأ، وظلت القطعة لدى عائلته حتى تم بيعها في مزاد علني عام 2014 واقتناها "متحف غيتيسبيرغ للتاريخ" في بنسلفانيا.

ورغم أن هذه النتائج لم تُنشر بعد في مجلة علمية محكمة، إلا أن كينج أكدت أنها قدمت البحث لمجلة مرموقة، معتبرة أن استخدام الحمض النووي لدراسة الشخصيات التاريخية، كما حدث سابقاً مع "بيتهوفن"، يمثل أداة قوية لاستنطاق الماضي وكشف الحقائق الصادمة التي حاول التاريخ إخفاءها.