بعد مرور ثماني سنوات على وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإعادة التراث الإفريقي إلى القارة، تبنت حكومته مشروع قانون يسهل عملية استرجاع القطع الثقافية المنهوبة من المستعمرات السابقة.
وقدّمت وزيره الثقافة رشيـدة داتي المشروع أمام مجلس الوزراء، مؤكدًا على مبدأ أن المجموعات العامة الفرنسية “لا يمكن التصرف فيها”، لكنها أشار إلى استثناءات تتعلق بالقطع التي أُخذت قسرًا من المستعمرات، وفق تقرير مطول لصحيفة "آرت".
وأضافت وزيرة الثقافة رشيدة ان اللوائح المقترحة معقدة نوعا ما لكي يُنظر في عملية استبعاد قطعة معينة من المجموعة، ويجب أن يكون هناك طلب من دولة أجنبية، وسيُقبل الطلب فقط إذا كانت القطعة مخصصة لـ “الحفظ وعرضها للجمهور”.
وأكدت داتي انه يجب وأن يتعلق الطلب بقطع يُزعم أنها سُرقت أو نُهبت أو بيعت تحت الإكراه أو تم إعطاؤها من قبل شخص لا يملك السلطة لذلك، ثم ستُدرس الحالة من قبل لجنة علمية ثنائية، وإذا أُجيزت، يمكن لمجلس الدولة وهو أعلى جهة إدارية في فرنسا أن يعلن عن استرداد القطعة.
ومن جانب اخر تشير الإحصائيات إلى أن فرنسا تمتلك واحدة من أكبر مجموعات التراث الثقافي في العالم، حيث يقدر خبراء أن حوالي 70% من مجموعاتها الثقافية تتعلق بتراث غير فرنسي، معظمها من مستعمرات سابقة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
وهو ما ينطبق على تمثالين سُرقا من معابد في نيبال، وتمت مصادرتهما من قبل متحف جيومي، بالإضافة إلى سبع قطع نُهبت من متحف اللوفر وطالبت إيطاليا باستعادتها، وفقًا لتعليقات الوزارة حول المشروع.
وفي تعليقها، رفضت وزارة الثقافة فكرة وضع “شكوك عامة” على جميع المجموعات التي تم جمعها خلال سنوات الإمبراطورية الفرنسية. كما استثنت الوزارة من التشريع المقترح القطع الأثرية العسكرية، والأرشيفات العامة، وحصص الحفريات الأثرية.
حتى الآن، اضطرت فرنسا إلى اعتماد قانون خاص في كل مرة توافق فيها على استعادة قطعة، وهو عملية تستغرق سنوات، ونتيجة لذلك، منذ وعد ماكرون في عام 2017، أعادت فرنسا فقط 30 قطعة إلى عدد قليل من الدول الإفريقية.
وفقًا لدراسة نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية عام 2021. ويُذكر أن فرنسا تواجه ضغوطًا متزايدة من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الإفريقية، التي تطالب باستعادة تراثها الثقافي الذي يُعتبر جزءًا من هويتها الوطنية.
وتنتظر الحكومة الفرنسية في طلبات استرداد من الجزائر وتتعلق بــممتلكات شخصية لقائد الثوار عبد القادر الجزائري.
كما تطالب دولة بنين بتمثال" إله الفودون غو"، وكذلك جمهورية ساحل العاج تطالب باسترداد حوالي 150 قطعة من فنونها الاثرية ومنحوتاتها التاريخية.
وتقدمت مدغشقر بطلب الحصول على قطع سُرقت خلال بعثة إثنوغرافية من داكار إلى جيبوتي عام 1931.
كما تطالب مالي، إلى جانب السنغال، بإعادة” صندوق أثرى يعود إلى مملكة" التوكولور "التي اكتشفتها القوات الفرنسية عام 1890.
أما إثيوبيا وتشاد، فقد أرسلا طلبًا عامًا في عام 2019 دون قائمة مرفقة، وفقًا للمشروع، ستنطبق القواعد على الفترة بين مؤتمر فيينا في يونيو 1815، الذي أعاد تشكيل أوروبا بعد سقوط نابليون، وابتداءً من أبريل 1972، تاريخ اعتماد اتفاقية اليونسكو لحماية التراث الثقافي. كما ستُعالج جميع الحالات المتعلقة بالقطع التي سُرقت بعد عام 1972 في محكمة مدنية.
لا تزال لجنة الدولة في انتظار فحص المشروع، لكن وزيرة الثقافة الفرنسية تنوي الدفع قدماً،ومن المتوقع أن ينشر مجلس الشيوخ تقريره في 11 سبتمبر2025، ثم يُعرض النص للتصويت في مجلس الشيوخ في 24 سبتمبر2025.
على الرغم من أن قانون لاستعادة الأعمال الفنية المنهوبة والرفات البشرية تم اعتماده بالإجماع في البرلمان الفرنسي عام 2023، إلا أن موضوع ماضي فرنسا الاستعماري لا يزال حساسًا جدًا.
ومع هذا المشروع الجديد، سيكون على الحكومة والبرلمان العمل بجد لتبرير استثناء من القانون العام عبر تقديم “سبب ضروري للاستثناء” ، ومع تصاعد نفوذ الشخصيات اليمينية المتطرفة، فإن إدانة أخلاقية للإمبراطورية الفرنسية أمر خارج السؤال.
وفي ظل احتواء المتاحف الفرنسية على عشرات الآلاف من الأعمال الفنية الأفريقية، يواجه أمناؤها مهمة صعبة لمحاولة تحديد القطع التي نُهبت خلال الحكم الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي ينبغي إعادتها إلى بلدها الأصلي. وأطلقت ألمانيا وفرنسا في يناير 2024 صندوقا على مدى ثلاث سنوات 2,2 مليون دولار مخصصا للأبحاث المتمحورة على موضوع مصدر الآثار.
قال السيناتور بيير أوزولياس، عضو بارز في اللجنة الثقافية الفرنسية، لصحيفة “ذي آرت نيوز” إنه “يأسف بشدة” لمحاولة الحكومة تسريع هذه المسألة المعقدة، بعد سنوات من التأخير، حيث لم تفعل وزيرة الثقافة الفرنسية شيئًا للمضي قدمًا بالمشروع.
وأضاف: مع معارضة الحكومة، يطالب بمتابعة من قبل “مجلس علمي دائم، يتكون من علماء ومحامين وممثلين عن الهيئات الحكومية”، تكون آراؤهم علنية. ويعتقد أن ذلك سيساعد على منع استعادة القطع المزعومة لخدمة “المصالح الدبلوماسية”.

