صابون الغار الحلبي.. صناعة تراثية تنبض بحكايات مدينة عريقة

مراحل دقيقة متنوعة تمر بها صناعة صابون الغار
مراحل دقيقة متنوعة تمر بها صناعة صابون الغار
 هشام الجبيلي
هشام الجبيلي

في شوارع مدينة حلب السورية الموغلة في القدم تقودك رائحة العراقة الممتزجة برائحة صابون الغار الحلبي، للوصول إلى مصبنة الجبيلي، ذلك البناء الأثري، الذي أنشئ قبل 8 قرون، لينتج هذا النوع من الصابون، وتكون شاهداً على عراقة المدينة وإبداع أهلها.

وارتبط صابون الغار بمدينة حلب فقط، حيث استطاع صناعه التكيف مع مناخها ومنتجاتها من الزيتون والغار، لإبداع منتج شكل هوية حضارية للمدينة في العالم.

وعلى الرغم من التطور التكنولوجي لا يزال أبناء المدينة ينتجون هذا النوع من الصابون بطريقة يدوية، ويقومون بتوريثها لأبنائهم، للمحافظة على إبداعهم، الذي يلقى رواجاً عالمياً كبيراً.

وأكد أحد أهم منتجي صابون الغار في حلب المهندس هشام الجبيلي لـ«البيان» أن صابون الغار الحلبي من أقدم أنواع الصابون وأجودها في العالم، اكتسب شهرة عالمية باعتباره لا يصنع إلا في حلب، حيث تعود صناعة هذا النوع من الصابون إلى أكثر من ألفي عام.

الجبيلي، المالك لمصبنة الجبيلي، التي تعمل في هذا النوع من الصناعة منذ 800 عام، أكد أن صناعة الصابون هي صناعة تراثية كانت منتشرة في البيوت الحلبية، لافتاً إلى أن هذا الصابون وصل إلى العالمية لأنه طبيعي 100 %، وتدخل في صناعته مادة زيت الزيتون (المطرف أي العصرة الثانية للزيتون المخصصة لصناعة الصابون)، وزيت الغار، دون أن يحتوي على أي مواد ملونة أو عطرية أو أية مواد كيميائية أخرى.

وعن طريقة صناعة صابون الغار قال الجبيلي إنه يتم البدء بطبخ الصابون من خلال قدر كبير، تبلغ سعته 5 أطنان يطلق عليه اسم الحلة، حيث يتم وضع المياه الحلوة والكوستيك (هيدروكسيد النحاس)، ثم تتم إضافة زيت الزيتون «المطراف»، وبعد أن يتصبّن نضيف إليه زيت الغار»، وأوضح أن عملية الطبخ تستمر لنحو 3 أيام حتى نحصل على صابون غار 100 %.

وتابع: «بعد ذلك يتم صب الصابون وهو ساخن على الأرض، بعد وضع الورق العازل فوقها حتى يأخذ من برودة الليل، ثم نقوم في اليوم التالي بتقطيع الصابون، وختمه بختم المصبنة».

وأردف: «نقوم بعد ذلك بتنسيق وتوضيب الصابون، ونترك فراغات حتى يتفاعل مع الهواء (يتأكسد)، وعندما يتحول لونه من الأخضر إلى الأصفر يكون جاهزاً للبيع».

وأشار الجبيلي إلى أن عملية إنتاج صابون الغار تتم بشكل موسمي، والتي تبدأ من موسم قطاف الزيتون في نوفمبر من كل عام، وتستمر حتى مارس من العام الذي يليه.

وأردف: «إن عدداً كبيراً من أبناء حلب يعملون في صناعة الصابون، التي ارتبطت بأسماء العديد من العائلات مثل الجبيلي، زنبيلي، صابوني، الحقاني، والتي أسهمت بالمحافظة على هذه الصناعة وانتشارها في دول العالم، وتحول هذا المنتج إلى العالمية».

وأضاف أن صابون الغار الحلبي بمواصفاته الطبيعية لا يمكن إنتاجه إلا في حلب، بسبب مناخها الحار والجاف في الصيف، والبرودة والجفاف في الشتاء.

وأكد أن إنتاج هذا النوع خارج منطقته يحتاج إلى إضافات على المواد الداخلة في صناعته، وبالتالي تغير صفاته.

وعن التحديثات التي دخلت على هذه الصناعة قال الجبيلي: «إن التحديثات التي شهدتها الصناعة تمثلت بإضافة الكوستيك بدلاً من مادة القلي، التي كان أجدادنا يستخدمونها، بالإضافة إلى استخدام المضخات في صب السائل من الحلة بدلاً من القيام باستخدام عدد كبير من العمال في انتشاله وسكبه على الأرض».

واستطرد: «الطلب يزداد عالمياً على صابون الغار الحلبي، لأنه خالٍ من الملونات والمعطرات أو المواد الكيميائية، حيث إن التوجه في دول العالم لاستخدام المنتجات الطبيعية والعضوية بعيداً عن المركبات الكيميائية».

يشار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم «يونيسكو» أعلنت مؤخراً إدراج حرفة صابون الغار الحلبي على قائمة التراث الثقافي غير المادي.