تكاد قصة الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير أن تصل إلى مستوى من الغموض يضاهي غموض بناء الأهرامات العظيمة التي تعود إلى أكثر من 4600 عام مضت. فمنذ وضع أول حجر لأساس هذا الصرح الحضاري في عام 2002، كان موعد الافتتاح يعاني من تأجيلات متكررة، تزامنًا مع أحداث التاريخ الحديث وتقلباته. حيث قررت السلطات المصرية، تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير، للربع الأخير من العام الجاري.
وقالت وزارة الآثار المصرية في بيان اليوم إنه في ضوء تطورات الأحداث الإقليمية الراهنة، فقد تقرر إرجاء الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، والذي كان مقررًا في اليوم الثالث من يوليو المقبل. وذكرت أنه سوف يتم تحديد موعد جديد للافتتاح الرسمي للمتحف خلال الربع الأخير من العام الجاري 2025، على أن يتم الإعلان عنه في الوقت المناسب، مضيفة أن ذلك سيجري التنسيق مع كافة الجهات المعنية لضمان تنظيم فعالية تليق بمكانة مصر السياحية والثقافية على الساحة الدولية.
وتابعت الوزارة في يبانها: إن هذا القرار يأتي انطلاقًا من المسؤولية الوطنية للدولة المصرية، وحرصها على تقديم حدث استثنائي عالمي في أجواء تليق بعظمة الحضارة المصرية وتراثها الفريد، وبما يضمن مشاركة دولية واسعة تواكب أهمية الحدث.، كما إن المتحف سيواصل استقبال زائريه في ضوء الافتتاح التجريبي له لحين قرب الموعد الجديد للافتتاح الرسمي.
والجدير بالذكر ان المتحف المصري الكبير يضم تماثيل ضخمة للفراعنة وقطعا كانت تُستخدم يوميا في مصر القديمة، و100 ألف قطعة تاريخية، بينها كنوز توت عنخ آمون الشهير. ويقع المتحف على مساحة 500 ألف متر مربع وهو أكبر متحف في العالم متخصص في الحضارة المصرية، وتوازي مساحته ضعفي مساحة متحف اللوفر في باريس وضعفين ونصف الضعف مساحة المتحف البريطاني.
وفي موعد الافتتاح الرسمي متوقع ان المتحف سيعرض أكثر من مائة ألف قطعة أثرية، ليصبح بذلك أكبر متحف أثري في العالم. صُمّم على يد شركة الهندسة الإيرلندية "هينيغان بينغ"، وفي أكتوبر 2024، تم افتتاح جزء من المتحف، حيث استُعرض 11 من بين 12 صالة عرض للجمهور.
وفي قلب المتحف، تتربع قاعة الكنز الحقيقي: معارض توت عنخ آمون، التي تضم أكثر من 5,398 قطعة من قبر الملك الذهبي، بالإضافة إلى ملحق خاص يعرض زورقين ملكيين تم اكتشافهما بالقرب من الهرم الأكبر عام 1954.
وفي حقيقية الامر ولع محبي التاريخ والفن حول العالم منذ زمن بعيد بتلك الشخصية الأسطورية، للملك الطفل توت عنخ آمون، الذي اعتلى العرش وهو في التاسعة من عمره، وتوفي وهو في سن صغيرة، إلا أن كنوزه ومقتنياته لا تزال تثير دهشة العالم منذ اكتشاف قبره عام 1922 على يد العالم البريطاني هوراس كارتر في وادي الملوك بمصر.
وتُعرض الآن العديد من القطع لأول مرة منذ اكتشافها بداية من قناع الموت، والكراسي الاحتفالية المصنوعة من العاج والذهب، إلى التابوت المذهب والصناديق التجميلية والتاج الملكي، ما يجعل من المتحف منصة حية تخلد حضارة متجددة وعريقة.،ورمزًا من رموز الحضارة المصرية، وسفرًا عبر الزمن يُعيد الأمل في استعادة أمجاد مصر القديمة، ويؤكد أن عظمة الحضارة لا تقتصر على الأهرامات فقط، وإنما تتجلى أيضًا في قدرتها على الإبهار والابتكار، والاحتفاء بفنها وتراثها أمام العالم.
ومن جانب اخر فقد بلغت التكلفة الإجمالية للمتحف المصري الكبير حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي، تم تمويله بشكل رئيسي عبر قروض يابانية ومساهمات من الحكومة المصرية، وتم اعلان بداية المشروع في عام 1992.
ومنذ ذلك الحين، واجه المشروع العديد من التحديات والصعوبات، بدءًا من جائحة كورونا، ومرورًا بثورات الربيع العربي، والصراعات الاقليمية ، وصولًا إلى التحديات التمويلية واللوجستية، وأخيرًا الحرب الجديدة في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران.
و كان من المقرر أن يفتح أبوابه في الثالث من يوليو، لكنه الآن، وفقًا لوزارة الآثار المصرية، تأجل إلى وقت لاحق من العام الجاري، وتحديدًا خلال الربع الأخير من 2025، حينما يكون الوقت مناسبًا.
وأشار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى أن التأجيل جاء بسبب "التطورات الإقليمية الراهنة"، في إشارة غير مباشرة إلى تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، قبل أن يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في 24 يونيو إثر تدخل أمريكي.
وقال مدبولي: "رأينا أنه من الأنسب تأجيل هذا الحدث الضخم، كي يحظى بالزخم العالمي المناسب." وكان من المقرر أن يغلق المتحف أبوابه ايضا في 15 يونيو، استعدادًا للافتتاح الكبير المقرر على مدى ثلاثة أيام.