«بيمارستانات» دمشق القديمة.. رحلة العلاج بالموسيقى

«بيمارستان النوري» في دمشق.. شاهد على تطور المدينة منذ قرون
«بيمارستان النوري» في دمشق.. شاهد على تطور المدينة منذ قرون

في شوارع دمشق وأزقتها، يتنفس المرء عبق التاريخ والحضارة، مساجد وكنائس ودور عبادة، بيوت وقصور، صناعات إبداعية وثقافية شكلت شاهداً على عظمة المدينة منذ القدم، دينياً وعمرانياً.

هذه الشواهد التاريخية والحضارية التي تحمل الكثير من المعاني الإنسانية والحضارية، لم تكن الوحيدة في دمشق، بل ترافقت مع تطور علمي ارتبط بإقامة مستشفيات للعامة، عرفت باسم «البيمارستانات»، لتشكل شاهداً إضافياً على تطور المدينة منذ قرون.

تلك «البيمارستانات» التي قدمت خدمات طبية مجانية للجميع، وخصص لها وقف للعاملين فيها، شكلت في الوقت نفسه مدارس ومعاهد علمية لتعليم الطب من جهة، واعتمدت أساليب فريدة في العلاج، كاستخدام الموسيقى، إذ ارتبط هذا الأمر بأشهر الأطباء والفلاسفة الذين عاشوا في تلك الفترات، كالكندي والفارابي وابن سينا والرازي وغيرهم.

تقول الباحثة في تاريخ دمشق، إلهام عزيز محفوض، لـ «البيان»: «إن أول بيمارستان بني في الإسلام، كان في دمشق، في عام 707 م، وبناه الخليفة الوليد بن عبد الملك، ثم انتشرت في المدينة، إذ كان 3 منها في محيط الجامع الأموي، بالإضافة إلى عشرات منها في المدن العربية».

وتضيف محفوض أنه لا تخلو ثقافة من الثقافات من النغم والإبداع، فالموسيقى هي إحدى وسائل التعبير عن مشاعر الإنسان، وشكل من أشكال التواصل بين البشر، كما كان لها فوائد علاجية.

وتشير إلى أن تقنية العلاج بالموسيقى كانت مستخدمة في أغلب «البيمارستانات» الموجودة في دمشق، حيث تم توثيق ذلك في كل من بيمارستان النوري، والدقاقي، والقيمري، بالقرب من منطقة شيخ محي الدين، بالإضافة إلى بيمارستان الأرغوني الكامل بحلب.

وتتابع: «لقد نبغ الأطباء العرب والمسلمون في استنباط طرائق وأساليب عديدة في العلاج، لعل أهمها الموسيقى والغناء في علاج المرضى النفسيين والمصابين بخلل عقلي، وهذا ما وثقته المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه، في كتابها شمس العرب تسطع على الغرب، عن استخدام الموسيقى في البيمارستان النوري بدمشق».

وتوضح محفوض أن الأطباء العرب والمسلمين، لم يستخدموا تقنية الموسيقى فقط في علاج الأمراض النفسية، بل إنهم استخدموا تلك التقنية لمعالجة الأمراض الجسدية، أشهرهم الكندي والفارابي.

وتضيف أن الكندي، وهو من أشهر أطباء العصر الإسلامي، كان أول من وضع نظرية الموسيقى، وجعل من النغمات والألحان وصفات طبية لأعضاء الجسم، حيث أشار إلى وجود نغمات، مثل الماخوري، وهي تقوي المرار الأصفر (العصارة الصفراء)، وتلعب دوراً في تسكين البلغم، وهناك نغمات تقوي الدم وغيرها.