بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على عرضه الأول، يظل فيلم «قصة طوكيو» الياباني، الذي حصل على تقييم 100 % على موقع «روتن توميتوز»، أحد أعظم الأفلام في تاريخ السينما، ويُعد من الكلاسيكيات التي لا غنى عنها. هذا العمل الذي أُنتج عام 1953 وأخرجه ياسوجيرو أوزو، يُعد نموذجاً فريداً من نوعه في سرد القصص الإنسانية، ويُظهر قدرة السينما على استحضار المشاعر وتأمل القضايا الاجتماعية العميقة.
تدور أحداث الفيلم حول زوجين مسنين، يسافران من قريتهما الصغيرة إلى طوكيو لزيارة أبنائهما البالغين، حيث يكتشفان أن أبناءهما مشغولون بأعمالهم وحياتهم الحديثة، وأنهم يفضلون تجاهلهما أو إهمالهما، بسبب انشغالهم بعالمهم الخاص. على مدار الرحلة، يتابع المشاهد حياة الزوجين، وتبدأ مشاعر الحزن، والخيبة، والحنين تتسلل إلى قلوبهم، بينما يواجهان الوحدة والتجاهل من قبل أبنائهما، رغم محاولاتهما الدؤوبة لإثبات وجودهما.
كبرياء التواصل
يُظهر الفيلم كيف أن الإهمال والتجاهل، رغم أنه غير مقصود في بعض الأحيان، يمكن أن يؤدي إلى آلام عميقة، وأن الكبرياء والخجل قد يمنعان أفراد الأسرة من التعبير عن محبتهم واهتمامهم بكبار السن. يعكس المخرج أوزو بأسلوبه الهادئ والراقي، كيف أن العلاقات الأسرية يمكن أن تتدهور بسبب قلة التواصل، ويؤكد أن القلوب الصغيرة واللفتات البسيطة من شأنها أن تُعيد ترميم العلاقات، وتُشعر كبار السن بقيمتهم وخصوصيتهم.
في مشهد مؤثر للغاية، يعود الأبناء إلى قريتهم بعد وفاة والدتهم، ويشاركون في جنازتها، حيث يُظهر الفيلم كيف أن الأب يتأمل حياته بدون زوجته، ويُعبر عن ألمه بعبارات هادئة، متمنياً لو أنه كان أكثر رحمة واهتماماً عندما كانت على قيد الحياة. ينتهي الفيلم برسالة هادئة، تدعو المشاهدين إلى التفكير في الطرق الصغيرة التي يمكن أن نكون بها أكثر حضوراً واهتماماً بأحبائنا قبل فوات الأوان.
تعاطف إنساني
أما عن قصة الفيلم، فهي ليست مجرد سرد لحياة زوجين مسنين، بل هي قصة عن الإنسانية، والرحمة، والتعاطف مع كبار السن، الذين غالباً ما يُنسى حقهم في المجتمع الحديث. يُعد «قصة طوكيو» بمثابة مرآة تعكس واقعاً اجتماعياً، وحالة نفسية، وتحدياً أخلاقياً، يحمل رسائل عميقة تتجاوز حدود اليابان، وتتصل بقضايا إنسانية عالمية.
45 مليون دولار
وفيما يتعلق بالنجاح المالي والتجاري، فقد حقق الفيلم إيرادات عالية في اليابان، حيث بلغت مبيعات التذاكر في دور العرض اليابانية أكثر من 3 ملايين تذكرة، وبيع أكثر من 1.2 مليون نسخة من إصدارات الفيلم على أقراص Blu-ray وDVD حتى عام 2024، مع استمرار الطلب عليه. ووفقاً لتقارير صناعة السينما اليابانية، فإن الفيلم يُعد من أكثر الأفلام مبيعاً في تاريخ السينما اليابانية، حيث يُدرّ عليه أرباحاً تقدر بأكثر من 45 مليون دولار أمريكي على مدار العقود، وهو رقم قياسي يُعكس مدى تأثيره وإقبال الجمهور عليه عالمياً.
وفي السنوات الأخيرة، قامت العديد من المنصات الرقمية بإعادة عرض الفيلم، ما زاد من شعبيته العالمية وجعله من الأفلام التي يُنصح بمشاهدتها في برامج التعليم والتوعية الاجتماعية. وأدى ذلك إلى أن يُدرّس في العديد من الجامعات، كمثال على فن السرد الهادئ والمواضيع الإنسانية التي تتناولها السينما، كما أنه يُعتبر من أكثر الأفلام التي تُستخدم في حملات التوعية حول أهمية احترام كبار السن والاعتراف بقيمتهم في المجتمع.


