التوثيق الفني في الإمارات.. تجربة الراحل حسن شريف نموذجاً

 من أعمال الراحل حسن شريف
من أعمال الراحل حسن شريف
الراحل حسن شريف
الراحل حسن شريف
 خالد البدور
خالد البدور
خليل عبدالواحد
خليل عبدالواحد
 ناصر عبدالله
ناصر عبدالله

التوثيق الفني في الإمارات وحفظ إرث الفنانين من الموضوعات الجوهرية في المشهد الثقافي، لأنه لا يتعلق فقط بالحفاظ على أعمال الفنانين، بل بتأريخ الحركة التشكيلية الإماراتية وتقديمها للأجيال القادمة والعالم.

وفي هذا الإطار، يعد الفنان التشكيلي الإماراتي الراحل حسن شريف نموذجاً محورياً للحديث عن تجربة توثيق أعماله، وما تحمله هذه التجربة من دلالات حول أهمية حفظ الإرث الفني ونقله للأجيال المقبلة.

وفي استطلاع أجرته «البيان»، تحدث عدد من الفنانين والباحثين والقيمين الفنيين عن تجاربهم ورؤاهم في مجال التوثيق الفني للراحل حسن شريف.

وقال محمد عبدالرحيم شريف الذي تولى توثيق أعمال عمه الفنان الراحل بالتعاون مع والده عبدالرحيم شريف: «لا أستطيع أن أقول إنها كانت تحديات.

كنت محظوظاً للغاية لأن والدي وعمي كانا على دراية بضرورة الأرشيف وعملا على توجيهي.

ومنذ أوائل التسعينيات، كان والدي يوثق ويدعم أرشفة الأعمال وحفظها.

وبعد ذلك، كان الفنان الراحل حسن شريف وأنا نعقد جلسات يومية لمناقشة الأعمال وفعلنا ذلك حتى وفاته عام 2016.

غطينا كل ما يتعلق بالأعمال التي أنشأها ودوّنا ما يتعلق بها، بدءاً بكيفية عرضها، وصولاً إلى ما يجب فعله وما لا يجب فعله تجاهها».

وأضاف: «دوري الآن هو الالتزام بهذا الإرث وأصالة الأعمال بالطريقة التي أوصى بها الفنان لكي تكون متاحة للمتاحف ودور العرض والأشخاص المهتمين على المدى الطويل.

ولأن طبيعة الأعمال الفنية أنها تعيش بعد عمر الفنان ومن يأتي بعده، فهذا يعني أن الحفاظ عليها أمر مستمر لا ينتهي.

ودوري كذلك هو توفير بيئة مستقلة ومستدامة لكي يستطيع من يأتي بعدي الحفاظ على الأعمال كما فعل أبي وعمي من قبلي».

وقال الشاعر والباحث خالد البدور، أحد الأصدقاء المقربين للفنان الراحل حسن شريف: «توثيق أي نشاط إنساني لا بد منه نظراً لأنه يحفظه في الزمن ويوفره للاطلاع والدراسة.

حين نأتي إلى النتاج الفني الإبداعي، فإن أهمية توثيقه وحفظه تتضاعف؛ نظراً لأهمية الإبداع الإنساني بشكل عام في حياتنا.

بالنسبة للفنان الراحل حسن شريف، فإننا أمام تجربة استثنائية؛ نظراً لقيامه هو بنفسه بتوثيق أدق تفاصيل أعماله؛ إذ كان يحتفظ بالأعمال الفنية وتواريخ وأمكنة إنتاجها، وأسماء المواد، وغيرها بالصورة، والكلمة.

إلى جانب ذلك، اهتم بتأريخ تفاصيل المعارض الفنية والأنشطة المصاحبة لها، والتغطيات الصحفية والإعلامية».

وتابع: «لهذا فمن جاء بعده بحثاً عن معلومات وتفاصيل وجد الكثير منها مؤرشفة ومسجلة بدقة.

لا شك أن توثيق أعمال وحياة حسن شريف أمر لا غنى عنه لحفظ القيمة الثقافية والجمالية لإنتاجه الإبداعي، والمساهمة في توفيرها للمهتمين والباحثين، إضافة إلى الجيل الحالي والقادم من الفنانين والمبدعين».

وأردف: «أي توثيق لتجربة حسن شريف يجب أن يتضمن مكونات تجربته، منذ بداياته وكيف تكونت شخصيته الفنية.

ومن الضروري التعرف إلى نوعية الدراسة التي تلقاها الراحل منذ طفولته والظروف التي شكلت تجربته».

الأجيال الجديدة

أما الفنان التشكيلي خليل عبدالواحد، مدير إدارة الفنون التشكيلية في هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» وهو أحد تلامذة الفنان الراحل، فأكد أن التوثيق الفني ليس مجرد حفظ للأعمال، بل جسر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل، ويعكس مسيرة الحراك الفني في الإمارات ويعرّف الأجيال الجديدة برواده.

وأضاف: التوثيق يرسخ الذاكرة البصرية، ويمنح الباحثين والمهتمين مراجع موثوقة تكشف عمق التجربة الفنية المحلية وتأثيرها عالمياً.

ولعل الفنان الراحل حسن شريف هو المثال الأبرز على ذلك؛ فقد شكّل حالة فنية استثنائية سبقت عصرها، وترك أثراً عميقاً في تجربتي الشخصية.

لم يكن فنه مجرد إنتاج بصري، بل كان مشروعاً فكرياً متكاملاً صنع أجيالاً من الفنانين، ومنهم محمد كاظم الذي يواصل العطاء والإبداع حتى اليوم.

وتابع: «امتازت أعمال الفنان الراحل حسن شريف بالخروج عن المألوف، وكل عمل لديه كان يحمل فكرة ورسالة تعكس روح تلك المرحلة، ما يمنح الجيل الحالي فرصة لقراءة المشهد الفني من خلال الفن ذاته.

وتجربتي مع غاليري «فلاينغ هاوس» الذي أسسه الراحل كانت مثالاً حياً على أهمية التوثيق.

فقد جمع المكان الفنانين وطلّابهم، وأنشأ موقعاً إلكترونياً يضم بياناتهم وأعمالهم وسيرهم الذاتية، إضافة إلى أرشيف شامل لكتابات حسن شريف وما نُشر عنه.

هذا الجهد جعل من «فلاينغ هاوس» مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين من داخل الدولة وخارجها».

إرث معرفي

ومن جانبه، قال القيّم الفني ناصر عبدالله: «تزخر الحركة الثقافية والفنية التشكيلية في دولة الإمارات بسجل حافل من الإنجازات المتميزة على المستويين المحلي والدولي، منذ تأسيس الدولة وحتى اليوم.

وقد بدأت ملامح هذه الحركة تتبلور بشكل واضح مع عودة المبتعثين الأوائل الذين أرسلتهم الدولة للدراسة في أرقى الجامعات خارج الوطن، حيث تخصص عدد كبير منهم في مجالات الفنون التشكيلية.

هؤلاء الخريجون حملوا معهم خبرات أكاديمية وعملية أسهمت في إثراء المشهد الفني الإماراتي وإضفاء تنوع لافت على أساليبه واتجاهاته».

وأضاف: «إن التاريخ الفني الغني للدولة يستحق أن نوثقه ونحفظه بأساليب أوسع وأكثر عمقاً، وأن نجعله حاضراً في وجداننا وممارساتنا اليومية.

هناك وسائل عدة لتوثيق الحراك التشكيلي في دولة الإمارات، ويأتي في مقدمتها العمل على حفظ مسيرة الرواد الأوائل من الفنانين، عبر الوصول إليهم مباشرة وجمع قصصهم وتجاربهم من مصادرها الأصلية، كما أن إعادة نشر هذا التاريخ بأسلوب يبرز الإنجازات الفنية للدولة وللفنانين، على مختلف المنصات والوسائط التقليدية والرقمية الحديثة، يعد خطوة جوهرية في إبقاء هذا الإرث حياً ومتجدداً».

واختتم حديثه: «من المهم أن تتبنى جهة حكومية، مثل وزارة الثقافة أو الأرشيف الوطني، مهمة إنشاء منصة أرشيفية موحدة تغطي مختلف القطاعات الثقافية، لتكون مرجعاً علمياً وبحثياً للأجيال القادمة من الفنانين والمبدعين.

ورغم وجود جهود قائمة في عدد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية داخل الدولة، فإننا نتطلع إلى توسعة هذه المبادرات وتعزيزها، ما يسهم في إبراز تاريخ دولة الإمارات بأبهى صورة».