التصاميم التراثية المستدامة للأزياء والمجوهرات الإماراتية تعد من أهم المساقات في الجامعات والمؤسسات الثقافية في دبي خصوصاً والإمارات عموماً، لتقديم جيل جديد من الفنانين والمتخصصين والمؤرخين ومصممي الأزياء قادر على إبراز جماليات التراث الإماراتي وعرضها ضمن الفعاليات والمهرجانات الكبرى في الدولة والتي تحتفي بسرديات الثقافة الإماراتية وتواصلها الحضاري والإنساني.
وفي هذا السياق، أكد الشيخ مكتوم بن مروان آل مكتوم، القيّم الفني الرئيس لمهرجان سكة للفنون والتصميم، أن مهرجان «سكة» وتحث إشراف هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» يوفر الفرصة للفنانين والمبدعين لعرض وتطوير أعمالهم، كما يوفر أيضاً فرصة للتعاون والتواصل مع فنانين آخرين من خلفيات ومستويات مختلفة في مسيرتهم المهنية، ويسهم المهرجان في تطوير الإنتاج الإبداعي لجيل معاصر مرتبط جوهرياً بمن سبقهم.
وتابع: «ومع ذلك، نعيش في وقت يمكن فيه لثقافة الفرد أو هويته أن تتجسد بأشكال لا حصر لها.
وبالتالي، فإن نتائج أي عمل إبداعي، إماراتي أو غيره، هي انعكاس لثقافته في اللحظة الحالية التي نشأت من تاريخه الغني في الماضي».
وعن أهم التحديات التي قد تواجه الجيل الجديد من الفنانين وممارستهم الفنية المتعلقة بعصرنة التراث الإماراتي قال الشيخ مكتوم بن مروان: التحدي الأول هو إدراك أن الثقافة لا يمكن اختصارها في القطع الأثرية أو الحرف اليدوية فقط.
أما التحدي الثاني فهو الفهم الكامل لأهمية إرث الفنون التقليدية والحرف اليدوية التي تم تمريرها عبر الأجيال؛ لأنها كانت تؤدي أغراضاً أساسية في وقتها.
ويمكننا الآن تعزيز مكانتها من خلال إيجاد طرق معاصرة لدمجها في ممارساتنا الإبداعية أو استكشاف طرق جديدة لجعلها تشغل مكاناً في حياتنا.
وأخيراً، هو فهمنا وإدراكنا بأننا جزء من هذه الثقافة، لذلك أي شيء ننتجه هو إماراتي بطبعه، سواء كان يتحدث عن ماضينا أو حاضرنا أو مستقبلنا.
جذور إبداعية
وفيما يتعلق بآليات استفادة طلاب الفنون والتصميم من دراسة تاريخ الفنون الإماراتية في تطوير ممارساتهم الفنية ومشروعاتهم ذات الصلة بتراث التصميم والمجوهرات وكذلك الحرف اليدوية، قالت الدكتورة روز ماري فيريه، أستاذة مشاركة في قسم علم الآثار وتاريخ الفن بجامعة السوربون بأبوظبي: «يجب أن يكون لدى طلاب الفن خلفية قوية في تاريخ الفن المحلي والعالم العربي، سيمكنهم ذلك من إنشاء ثقافة بصرية متجذرة في أرضهم، حيث تعد فنون الزخرفة والحرف والمهارات الممتازة دائماً متجذرة في إقليم وجغرافيا وتمثيلات جماعية.
هوية معرفية
وأضافت: تعتبر زخرفة المجوهرات ونقوش وطبعات الأزياء التراثية من أهم بحوث الدراسات الأنثروبولوجية والتي تمكننا من سرد قصص إبداعية لهذا المجتمع الإماراتي الغني بتاريخه الحضاري والمنفتح على كافة الثقافات والشعوب.
وعلينا تشجيع الطلاب على دراسة الأرشيف الوطني بما يتضمن من مخطوطات ووثائق تستحضر الماضي وإعادة صيغته بجماليات الحاضر، إلى جانب تشجيعهم على تفحص مجموعة أعمال الفنانين المحليين المعاصرين، بالتوازي مع تأسيسهم لمنصات حوارية تضم الفنانين الكبار والفنانين الشباب أو المؤرخين بهدف عرض نماذج من أرشيف الأزياء والمجوهرات التاريخية والحديث عنها من جانب أكاديمي بحثي. وأشارت إلى أن للفنون المعاصرة المستوحاة من تاريخ الإمارات الحضاري تسهم بلا شك في تسليط الضوء على جماليات الفنون والحرف الإبداعية وهويتها الحضارية.
من جهتها، أكدت الفنانة والأستاذ المساعد في كلية الفنون الجميلة والتصميم الدكتورة كريمة الشوملي بجامعة الشارقة أن الاستدامة والمعاصرة في الحرف اليدوية إضافة إلى تصميم الأزياء والمجوهرات كل ذلك يعزز الهوية الوطنية ويثري الثقافة الإبداعية لدى الأجيال، مضيفة: «بلا شك تدعم الجامعات وكليات الفنون إدخال الحرف في تصميم المجوهرات وعالم الفنون ما يسهم في إنتاج المشاريع الفنية والمرئية الفريدة، وابتكار أعمال فنية تحمل روح الهوية والأصالة ما يعزز الاقتصاد الإبداعي في دولة الإمارات».
وفيما يتعلق بالممارسات الإبداعية الإماراتية والمتأثرة بطابع التقاليد والتراث الإماراتي، قالت الفنانة والقيمة الفنية وجامعة المقتنيات خلود الجابري إن تعلقها بقيم التراث الإماراتي ومساراته وتوظيفها في مجال الفنون والتصميم يعود إلى طفولتها، حيث كانت تقوم بالرسم والتصوير الفوتوغرافي وقد صممت ثوب «المخور» وأضفت عليه لمسات معاصرة.
وأكدت أن أعمالها تتميز بخامات مختلفة ومواضيع متنوعة ومدارس متعددة وتمزج اليوم بين فن الكولاج والتصميم. وتابعت: أمتلك أرشيفاً كبيراً يشمل مقتنيات للأزياء والتصاميم الإماراتية ومن ضمنها ثوب «النشل». واعتقد أن الأزياء التقليدية حاضرة في أعمالي التشكيلية.
وعن أهمية التقنيات الحديثة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تعميق دراسة تاريخ الفنون الإماراتية وتراثها قالت شيماء العلي، طالبة الآثار وتاريخ الفن بجامعة السوربون: عبر العديد من المعارض والمشاريع المشتركة نسعى إلى تطبيق الجانب الأكاديمي ضمن ممارسات فنية وابداعية تستند إلى معلومات وصور تاريخية لفترة زمنية معينة، وخلال معرضنا الأخير «خيوط من التراث: الأزياء والمجوهرات التقليدية للمرأة الإماراتية»، احتفينا بالهوية الثقافية وتطور الفنون.
كما استخدمنا وأمام جمهور المعرض تقنية «الهولوغرام» لعرض صور افتراضية ثلاثية الأبعاد ووثائق تعود للعصر البرونزي.
قيمة تسويقية
ومن جانب آخر أشارت عالمة الأحجار الكريمة كلوي ساراسولا، إلى أن صناعة المجوهرات الإماراتية المعاصرة والمستندة على أرشيف وتاريخ حرفة الصياغة الإماراتية التراثية شهدت ممارسات إبداعية استثنائية من طلاب الفنون والتصميم وكذلك مصممي المجوهرات المحليين، حيث أدى الاهتمام الأكاديمي المتزايد بتاريخ المجوهرات الإماراتية إلى تحسين توثيق الممارسات التقليدية.
وتابعت: «تُفيد هذه الأبحاث التصميم المعاصر، مما يسمح للحرفيين والمصممين الجدد بإنشاء أعمال ليست جميلة فحسب، بل تحمل أيضاً معاني عميقة، كما أحدثت التكنولوجيا الحديثة ثورة في عملية صناعة المجوهرات، مع استخدام تقنيات مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنشاء تصاميم معقدة كانت مستحيلة في السابق، حيث يسمح هذا الدمج بين التكنولوجيا والأساليب التقليدية بزيادة الإبداع والكفاءة».