في عالم يميل إلى السرعة والجاهزية، تختار فنانات الحرف اليدوية طريقاً مختلفاً.. طريقاً يبدأ من الشغف، وينتهي عند الإبداع الذي يحمل طابعاً شخصياً وثقافياً في آن.
من الديكوباج إلى الرسم والتصميم، تفتح هذه الفنون أبواباً للتعبير عن الذات والحفاظ على الهوية.
«البيان» أجرت استطلاعاً وحواراً مع ثلاث مبدعات في هذا المجال، لكل واحدة منهن حكاية، بدأت بهواية، وانتهت بمشروع يحمل روحها، ويعبّر عن تراثها.
فاطمة بن حسين، الحاصلة على ماجستير في التسويق، وجدت في فن الديكوباج والرسم على الزجاج وسيلة للهروب من ضغط الحياة اليومية، ثم ما لبثت أن تحوّلت هذه الوسيلة إلى رسالة فنية وإنسانية، تقول: «في البداية كانت مجرد هواية وتفريغاً لضغوطات الحياة.
لكن مع الوقت، شعرت بتأثيرها العميق في نفسيتي، فأحببت مشاركتها مع الناس.
فتحوّلت إلى رسالة، أدعو من خلالها كل امرأة لأن تمارس هوايتها، وتتصل بأنوثتها من خلالها.
ومع مرور الوقت، وبعد جمع الأدوات والقطع الفنية، أصبحت أيضاً مصدر دخل».
وترى فاطمة أن الفنون اليدوية ليست مجرد أعمال جميلة، بل تحاكي الحياة اليومية للمجتمع، وتُجسد ثقافته: «الحرف اليدوية دائماً كانت متصلة باحتياجات الناس اليومية، وهي مرآة للمجتمع وتحضّره.
أعتبرها إرثاً يمكن للأجيال القادمة أن تقرأ من خلاله أفكارنا وممارساتنا.
في أعمالي أحب استخدام أوراق الشجر المعمّرة في الإمارات، مثل السدر والغاف، في صناعة أكواب الخزف، لأُضفي عليها طابعاً محلياً».
لكن هذا الطريق لا يخلو من التحديات، حيث تشير إلى أن المجتمع لا يُقدّر دائماً العمل اليدوي كما يستحق: «من الصعب أحياناً أن تقنع الناس بقيمة ما نصنعه، مقارنة بالمنتجات الجاهزة.
كما أن التصوير الاحترافي مكلف جداً، وأحياناً يتجاوز سعر القطعة نفسها.
نحتاج إلى دعم حكومي، وبازارات مخصصة للحرف اليدوية المعاصرة، لتوفير منصة حقيقية لنا».
مدرّبة الفنون اليدوية لميا البلوشي، والحاصلة على بكالوريوس في الترجمة، دخلت هذا المجال من باب الشغف، واستمرت بالتعلم والتطوير، حتى أصبحت مدربة معتمدة، تحمل رسالة فنية، تسعى من خلالها إلى إبراز الفن المحلي بروح معاصرة.
تقول: «اخترت الفنون اليدوية، لأنها تعبّر عن شخصيتي، وتمنحني مساحة للإبداع والراحة النفسية. بدأت كهواية وشغف، ومع التعلم الذاتي، تطوّرت إلى رسالة فنية، تعبّر عن ذوقي وهويتي.
واليوم أعتبرها مشروعاً مهنياً، أعمل على تطويره، ليُصبح علامة تجارية تجمع بين الطابع العصري والتراثي».
وترى لميا أن الفنون اليدوية تلعب دوراً كبيراً في حفظ الهوية الثقافية، ونقل القصص الشعبية بين الأجيال: «الفن اليدوي وسيلة للحفاظ على الهوية من خلال الألوان، النقوش، والخامات.
أحب استخدام النقوش الإسلامية والتراثية في أعمالي، وغالباً ما تكون هذه القطع الأكثر جذباً وجمالاً، بل والأكثر مبيعاً».
وعن التحديات، تقول: «من أكبر التحديات، قلة الوعي بقيمة هذه الفنون، فالكثيرون يعتقدون أنها مجرد هواية.
نحتاج إلى تعزيز حضور هذا الفن، من خلال المعارض والمنصات، وأتمنى أن تتبنى الجهات الحكومية دعم المدربات المحترفات والفنانات المحليات، لأن التقدير المجتمعي يشكّل فرقاً كبيراً في استمرارنا».
وسيلة للتأمل
أما مي نصر الله، متخصصة في التصميم الجرافيكي بروح تراثية وثقافية.
تصاميمها تحكي قصصاً من التاريخ، سواء من تطريز فلسطين أو العمارة الإماراتية القديمة، فترى في الفن اليدوي والرسم وسيلة للتعبير عن الداخل، وتقول: «اخترت هذا النوع من الفنون، لأنه الأقرب لي، يترجم مشاعري ورؤاي البصرية.
في البداية كان مجرد شغف، ثم تحوّل إلى رسالة، والآن أعمل على تطويره كمشروع مهني، يحمل هوية وقيمة».
وتضيف: «أؤمن بأن الفن لا يمكن فصله عن جذوره. في تصاميمي أحرص على استخدام زخارف وألوان مستوحاة من بيئتنا وتراثنا المحلي. هذه التفاصيل تمنح العمل عمقاً وقيمة ثقافية واضحة».
لكنها تواجه تحدياً من نوع آخر، يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، فتقول: «أكبر تحدٍ هو سرقة التصاميم. تعرّضت أكثر من مرة لنسخ لأعمالي دون إذن. للأسف، لا توجد آلية لحماية حقوق الفنانين، وتسجيل الملكية الفكرية مكلف. أتمنى أن تُطلق منصات محلية لحفظ الحقوق».
وتختم بالقول: «الإمارات سبّاقة في دعم الثقافة والفن، ونشهد اهتماماً فعلياً من خلال المبادرات والمعارض. لكننا نحتاج إلى تطوير هذا الدعم، ليشمل أدوات الحماية، والترويج، والتقدير الرسمي».
ومن الورق، إلى الزجاج، إلى الخيوط والألوان... يصنع هاته النساء عوالمهن بأيديهن، ويعبّرن عن ذواتهن وثقافتهن من خلال الفن. قصصهن ليست فقط عن الإبداع، بل عن الإصرار والهوية. دعم هذه المواهب يعني الحفاظ على روح التراث.