فنانو الإمارات يخلّدون مسيرة الاتحاد بلوحات تزدان بالتراث

لا تزال حكايات الهوية الإماراتية العريقة، وتفاصيلها الحية في ذاكرة الأجيال، ترسم إبداعات الفن التشكيلي لمبدعي الإمارات، الذين يقيمون برؤاهم ومواهبهم جسوراً تعبر الماضي إلى المستقبل.

وتخلّد الرموز الوطنية والقيم الأصيلة، لتتنفس لوحاتهم سحر الأماكن، وترتدي حُللاً بديعة، فيغدو الفن حينها مرآة صادقة تعكس العلاقة بين الإنسان الإماراتي ووطنه.

وخلال جولة في المعرض التشكيلي «54 عاماً متحدين»، الذي ضم 54 لوحة تشكيلية تعبر عن مسيرة الاتحاد في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، حملت بصمات نخبة من الفنانين الذين احتفوا بمسيرة الاتحاد الإماراتي ذات الـ54 عاماً، ارتحلت «البيان» معهم في أجواء أعمالهم الجاذبة التي لا تخلو من أفكار عميقة وفلسفات تعيد تشكيل الشغف بالتراث، لتصنع منه قيمة خالدة في الوجدان.

وتحكي الفنانة التشكيلية نجلاء الكثيري كيف اجتذبتها عوالم شجرة الغاف المعروفة، التي باتت أيقونة تعبّر عن الإمارات؛ إذ اختيرت رمزاً وطنياً وثقافياً للدولة عام 2008.

كما اعتُمدت رمزاً لعام التسامح في 2019، مبينةً أنها عبَّرت عن تلك المعاني الكامنة فيها بلوحتها «صمت الغاف» لتختزل كل ما يمكن أن يقال في حب الوطن.

وتشير نجلاء إلى أن الحركة الفنية في الإمارات تعاطت مع تلك الشجرة، ووظفتها بصورة لافتة، وترجمت الكثير من الأحاسيس الوطنية في هذا السياق، موضحةً أن العمل، الذي استغرق أقل من يوم، استخدمت فيه ألوان الأكريليك التي تتميز بسرعة الجفاف.

إرث حضاري

وتوضح الفنانة التشكيلية نوال البلوشي أن عملها الفني عبارة عن لوحة مستوحاة من فكرة «دارة آل مكتوم»، التي أنشئت بمرسوم من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، بهدف توثيق الإرث الحضاري المادي والشفاهي لحكام إمارة دبي والأسرة الحاكمة وحفظه للأجيال القادمة، مشيرةً إلى أنها استخدمت في إبداع العمل 3 أنواع من الرمل:

البري، والبحري، والملون. وتنوّه نوال بأهمية الاعتزاز بالتراث المحلي الأصيل إبداعياً والحفاظ على السمة المتفردة التي تميزه عن سائر الثقافات.

لافتة إلى أنها عمدت من خلال عملها، الذي استغرق مدة أسبوعين ليجف بصورة كاملة، إلى توظيف عناصر البيئة الإماراتية الخاصة التي أسست بها مدرستها الفنية المستقلة.

«قلعة الميل»

ويبين الفنان التشكيلي كمال اليماحي كيف اهتم في لوحاته المتنوعة بالتركيز على إبراز جماليات الهوية الوطنية عبر رسم المباني الإماراتية القديمة والحديثة.

موضحاً أنه كان في السابق يصوّر في أعماله مظاهر العمران وحدها، لكنه رأى أخيراً ضرورة أن يلتفت أيضاً إلى العنصر البشري ويضيفه إلى لوحاته؛ لإضفاء لمحة من الحياة بحركتها وخصائصها الثقافية والاجتماعية.

ويقول: «المدة التي يستغرقها إنجاز العمل الفني تتوقف على طبيعته وبرنامج الفنان اليومي، وبصفتي موظفاً حكومياً فإنني أختار أوقات الفراغ في عطلتي الأسبوعية لممارسة هوايتي».

مشيراً إلى أن بعض اللوحات قد لا تحتاج إلا نحو يومين، خصوصاً إذا توافرت العناصر واتضحت الفكرة.

ويستعرض اليماحي أحد أعماله الذي تتجلى فيه «قلعة الميل» مربعة الشكل الماثلة بواحة ليوا وسط رمال الصحراء الشاسعة في أبوظبي، التي تشكّل معلماً فريداً ومعقلاً أدى دوراً تاريخياً مهماً، مفسراً الرمزية الكامنة في صورة السيارة التي تتجه إلى القلعة؛ إذ قصد بها الدلالة على العودة إلى التراث والرجوع إلى الهوية الأصيلة الراسخة.

وتعرب الفنانة التشكيلية نوال صالح، التي تنتمي إلى رأس الخيمة، وتخرجت في جامعة الإمارات (تخصص فنون بصرية)، عن ميلها الشديد إلى الرسم الواقعي.

ولا سيما الأعمال الفنية التي تتفاعل مع التراث ومفرداته الأصيلة، مشيرة إلى أنها عبَّرت عن فكرة التوازن بين الهوية والانفتاح من خلال صورة الباب القديم. وتقول نوال:

«على الرغم من تمسكنا بمبانينا وحضارتنا والأشياء الجميلة في ثقافتنا المحلية؛ فإن مجتمع الإمارات يتمتع بالقدرة على الانفتاح تجاه الثقافات الأخرى، ومواكبة التكنولوجيا ومسايرة مظاهر التقدم العصري كافة، وهذا ما أردت التعبير عنه في اللوحة التي أنجزتها في غضون شهر».

ربط الماضي بالحاضر

ويلفت الفنان التشكيلي صقر السويدي إلى الأسلوب الإبداعي في لوحته التي وظَّف فيها ألوان علم الإمارات، ومزج فيها بين حبات اللؤلؤ وحبات الرمان.

موضحاً أنه قصد بهذا التصوير الفني أن يضيء على عناصر التراث والهوية وربط الماضي بالحاضر الذي يبدو من خلال استعمال الألوان مقابل اللونين الأبيض والأسود دلالةً على الانتقال من زمن إلى آخر.

ويؤكد السويدي أن المشاركة في المعارض الفنية تفتح أمامه أبواباً للتواصل مع الفنانين، وتفسح المجال لتلاقح الأفكار والتعرف إلى الأساليب الإبداعية التي يتميز بها كل مبدع، مشيداً بالاحتفالات الثقافية التي تقيمها دبي بهذا الصدد.