في دبي، حيث تتحول الفكرة إلى واقع، والخيال إلى مشهد نابض بالحياة، كشف عام 2025 الستار عن موسم ثقافي استثنائي، تقاطعت فيه الرؤى، وتناثرت ثمار الإبداع.
إنه حصاد عام كامل من الحكايات، التي تتلألأ في سماء دبي كنجوم تضيء مسار الثقافة، وتعلن أن 2025 لم يكن مجرد عام عابر، بل محطة فارقة تجدد التأكيد أن روح دبي خلقت لتتقدم، وتلهم.
إطلاق «دارة آل مكتوم» لتوثيق الإرث الحضاري المادي والشفاهي لحكام دبي
مكتبات دبي العامة نجحت من خلال «مدارس الحياة» في إثراء الحراك المعرفي واحتفت بـ«عام المجتمع» ومبادرة «إرث دبي»
حفلات فنية لنخبة من نجوم العرب والعالم وعروض مسرحية جمعت بين الكلاسيكي والمعاصر أقيمت في «دبي أوبرا» و«كوكاكولا أرينا»
نشاط مسرحي نابض بالحيوية حوّل المسارح والمراكز الثقافية إلى منصات للإبداع والتجريب
ندوة الثقافة والعلوم في دبي احتفت بالفائزين في جائزة العويس للإبداع بدورتها التاسعة والعشرين
وشهد خلال 2025 صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يرافقه سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، حفل إطلاق «دارة آل مكتوم»، التي يشرف عليها المكتب التنفيذي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتهدف إلى توثيق الإرث الحضاري المادي والشفاهي لحكام إمارة دبي والأسرة الحاكمة، وحفظه للأجيال القادمة، وإنشاء أرشيف خاص بحكام دبي، وسيرهم الذاتية ومقتنياتهم وإسهاماتهم الأدبية والفكرية، وتوثيق دورهم التاريخي والقيادي في تحويل الإمارة إلى مركز حضاري واقتصادي عالمي حديث ومتطور.
وكان من أبرز محطات 2025 مهرجان طريق الحرير الدولي للشعر الذي استضافته دبي، واحتضن نحو 50 شاعراً وفناناً، في رحلة عبر الإبداع والتلاقي الحضاري بين الشرق والغرب، واختير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، «الشخصية الأدبية الملهمة»، للمهرجان، تكريماً لدوره في تحويل دبي إلى جسر ثقافي يربط بين الأمم.
«طيران الإمارات للآداب»
وفي رحاب الدورة السابعة عشرة من مهرجان طيران الإمارات للآداب 2025، الذي احتفت به دبي من 29 يناير حتى 3 فبراير الماضيين، تمازجت ألوان العالم المتنوعة، حيث احتضن المهرجان العديد من الجلسات الحوارية والمناقشات العميقة ،وورش الكتابة والأمسيات الموسيقية والشعرية، من أهمها أمسية «أبيات من أعماق الصحراء»، التي اجتمع فيها شعراء من الإمارات والعالم، لتتراقص الكلمات على وقع نسيم الصحراء، و«جسور التسامح»، التي شاركت فيها عقول من شتى الأقطار، لبحث الحوار بين الثقافات والقيم الإنسانية المشتركة.
وقد أضفت الأجواء الثرية، التي تخللت فعاليات المهرجان، روحاً من الدفء والتقارب الإنساني، حيث انفتح الحضور على تجارب جديدة، تلهم الخيال، وتوسع آفاق المشاركين، كما شهدت الأيام الممتدة لحظات خالدة من الفنون والعروض، امتزج فيها عمق الفكر بجماليات الكلمات، وتجلت فيها طاقة الإبداع، التي تعبر عن حيوية المشهد الثقافي في دبي، لتبقى تلك اللحظات شاهدة على موسم ثقافي نابض بالحياة.
«دبي أوبرا»
وأطلت «دبي أوبرا» على جمهورها بأمسية افتتاح موسم 2025–2026، التي جسدت طموح الإمارة في جعل الفنون أداة تلاقٍ بين الثقافات والأجيال، وفي إطار هذا الحراك الثقافي المتجدد برزت «دبي أوبرا» بيتاً للإبداع، ومنصة تنبض بالحياة، لتعكس روح دبي العصرية المتعايشة مع أصالة الفنون، وتقدم تجربة للفن بروح إنسانية، تجمع بين الأصالة والابتكار، وتمتزج فيها نغمات الشرق والغرب، لتصبح دبي بذلك مدينة للثقافة والعطاء الإبداعي. واحتضنت «دبي أوبرا» حفلات فنية لكوكبة من النجوم العرب والعالميين.
وبين تفاصيل الأمسية وأجوائها الآسرة أحس الحاضرون بنبض الفنون وهو ينساب في فضاءات المكان، ليحملهم في رحلة وجدانية، تعكس قدرة دبي على صناعة مشهد ثقافي متنوع، يفتح الأبواب أمام المواهب ويحتفي بالجمال، وهكذا غدت «دبي أوبرا» مساحة تتجدد فيها اللقاءات الفنية، وتتشكل عبرها لحظات تخلد أثر الفن في الحياة، مؤكدة مكانة دبي وجهة تحتضن فيها الإبداعات، وتصاغ فيها حكايات تروى للأجيال.
«كوكاكولا أرينا»
وأثبتت «كوكاكولا أرينا» أنها أكثر من مجرد صالة حفلات، إذ مثلت نبض دبي العصري، حيث يلتقي الجمهور على أنغام الفن بكل ألوانه، وفي ظلال هذا الحراك الفني باتت دبي مسرحاً عالمياً مفتوحاً يدعو الجميع إلى الاستمتاع بأنغام لا تنسى، ويمنح الزوار لحظات فريدة تنسجها الأضواء، وتكملها حيوية الجمهور، الذي يجد في كل فعالية سبباً جديداً للاحتفال.
وتحولت الصالة متعددة الاستخدامات إلى خلية ثقافية عامرة بالحياة، وجمعت بين الموسيقى العالمية والفنون والتجارب الجماهيرية، في مشهد جسد رؤية دبي الباهرة، فمن حفلات الروك الطاغية إلى أنغام الجاز العذبة أعادت «كوكاكولا أرينا» إلى الأذهان تاريخ الروك العريق بصخب الأضواء وهتافات الجمهور، كما أثارت حماس عشاق الإيقاعات الأفريقية، ما جسد الرسالة الانفتاحية، التي تنتهجها دبي في استقبال مواهب من شتى أنحاء العالم، وبثت روحاً من الشغف الفني، الذي يلامس الحضور، ويجعل كل ليلة مختلفة عن الأخرى.
ولم يقتصر الحضور على نجوم الغناء، بل تطلب المزيج أيضاً لمحات الثقافة العالمية عبر تنوع عروض المسرح التي تجمع بين الكلاسيكية والمعاصرة، والعروض الترفيهية.
رؤى متنوعة
ووسط وهج لا يخفت ووتيرة لا تهدأ شهدت دبي خلال 2025 حراكاً ثقافياً، يؤكد مكانتها العالمية مركزاً للابتكار الفني والحوار الإبداعي، إذ ازدهى 2025 بسلسلة من الفعاليات، التي خاضت في عمق التجارب الإنسانية، واحتفت بتنوع الأصوات وتلاقي الثقافات، مجسدة روح دبي مدينة، تتقاطع فيها الرؤى وتتقارب الحكايات.
وقد شكل هذا الزخم مساحة رحبة أتاحت للفنانين والجمهور معاً اختبار أشكال متعددة من التعبير، كما أوجد مناخاً يشعر الزائر بأنه جزء من حراك حي يتجدد باستمرار، ويعيد قراءة الذات والمحيط.
ولم يغب الأدب عن المشهد؛ فقد احتضنت دبي أمسيات شعرية ولقاءات مع روائيين شباب، في مشهد يعزز حضور الكلمة بوصفها مرآة لتحولات المجتمع، أما الموسيقى فكان لها نصيب وافر عبر حفلات، مزجت التراث بالموسيقى العالمية، لتؤكد أن الإبداع لغة تتجاوز الحدود.
وفي إطار هذا الحراك الثقافي اتسع الفضاء الإبداعي، ليشمل مزيداً من النقاشات النقدية، التي أتاحت للجمهور فرصة الاقتراب من تجارب مبدعين صاعدين، كما شكلت منصة للتأمل في مسارات الفنون وتأثيرها المتنامي في تشكيل الوعي الجمالي.
وتعزز هذا الزخم من خلال تفاعل الحضور مع الفعاليات، التي أضفت على المشهد طابعاً من الحيوية، إذ بدا واضحاً أن الاهتمام بالثقافة لم يعد مقتصراً على المتخصصين، بل أصبح جزءاً من إيقاع الحياة اليومية، وهكذا توزعت اللحظات بين الإصغاء لنبرة شاعر يفتش عن معنى، ومتابعة لحن يستعيد الذاكرة، ليغدو المشهد برمته احتفاء بتنوع التجارب الإنسانية وعمقها.
وفي مكتبات دبي العامة، حيث يمتزج دفء المعرفة بعبق الإبداع، نجحت «مدارس الحياة» خلال 2025 في أن تزرع بساتين من الفضول والإثراء، فقد اتخذت المبادرة من رفوف الكتب مساراً للحياة.
وتنوعت أنشطة المبادرة بين فنون الخط العربي، والتصوير الفوتوغرافي والتصميم، وسرد الحكايات الشعبية، وتنمية مهارات التفكير والإبداع، كما فتحت مكتبات دبي أبوابها للمهتمين بالغذاء الصحي، والتوازن النفسي، واللغة والفنون، فضلاً عن جلسات الفنون والموسيقى والإلقاء.
وفي مايو احتفت المبادرة بـ«عام المجتمع»، ومبادرة «إرث دبي»، من خلال فعاليات في المتاحف والمكتبات، تناولت الهوية الإماراتية، والحكايات الشعبية، والمجوهرات تراثاً ثقافياً، بجانب ورش للأطفال والكبار، تهدف إلى تعميق انتمائهم الجذري لأرضهم.
ورسخت دبي مكانتها محطة نابضة بالإبداع الشعري، حيث تلاقت التجارب المختلفة تحت مظلة المساحات الثقافية، التي أتاحت للجمهور اكتشاف أصوات جديدة، والتفاعل مع مضمون يلامس الذاكرة والواقع في آن، ومع هذا الزخم المتنامي بدا المشهد الثقافي أكثر اتساعاً وقدرة على احتضان الطاقات الشابة، إذ وفر فرصاً إضافية للتعبير والمشاركة، وأسهم في خلق بيئة، تشجع على البحث والاستلهام، حتى غدا حضور الفنون جزءاً أصيلاً من إيقاع المدينة وهمسها اليومي.
وأثبتت دبي أن الكتاب ليس مجرد صفحات مطوية، بل نبض حي في قلب مجتمع يقدر الفكر والمعرفة، فأطلقت «دبي للثقافة» العديد من معارض الكتب المستعملة، التي فتحت أبوابها أمام محبي القراءة، وكتبت فصولاً جديدة من الحراك الثقافي في الإمارة.
وفي ظل هذا الحراك المتواصل اتسع المشهد ليشمل تفاعلات أعمق بين الجمهور وصناع الكلمة، حيث تحولت اللقاءات الأدبية إلى فضاء يحتضن النقاش والحوار، ويمنح الزوار فرصة للتقارب مع التجارب الإبداعية المتنوعة، كما أسهمت هذه الفعاليات في تعزيز الحس الجمالي لدى الأجيال الجديدة، التي وجدت في تلك المحطات نافذة لاكتشاف جماليات اللغة وقوة التعبير، ما أضفى على الموسم الثقافي طابعاً من الدفء الإنساني والثراء المعرفي.
وخلال «شهر القراءة الوطني 2025» كان جمهور الثقافة على موعد مع معرض للكتب المستعملة، بالتعاون مع مركز دبي المالي العالمي، وتزامنت هذه المبادرة مع مناسبة «يوم زايد للعمل الإنساني»، فتجلت روح العطاء والمعرفة بصورة أعمق، وبرزت القيم التي تسعى دبي دائماً إلى ترسيخها في مجتمعها الثقافي المتنوع.
وخلال هذه الفعالية الرائعة تم توفير كتب عربية وإنجليزية بمئات العناوين، وبأسعار رمزية، تراوحت بين درهمين وعشرة دراهم، ما أتاح للعديد من القراء، كباراً وصغاراً، فرصة اقتناء إصدارات متنوعة، تعكس ميولهم القرائية وتطلعاتهم المعرفية.
وأكدت «دبي للثقافة»، عبر هذه المعارض الخاصة بالكتب المستعملة، أن هذا التوجه لا يهدف إلى التسويق فقط، بل يتجاوز ذلك نحو ترسيخ ثقافة «الاستدامة المعرفية»، وجعل الكتاب جسراً ممتداً بين الأجيال، فالكتاب حين يعاد تدويره يمنح حياة جديدة بين أيدي باحثين وطلاب وعشاق للقصص، باختلاف أعمارهم وتعدد اهتماماتهم، وهكذا يصبح تداول الكتب ممارسة تعزز الوعي، وتدعم مشاركة المجتمع في صون المعرفة وتوسيع دوائرها، مؤكدة أن القراءة فعل مستمر لا يرتبط بزمن، بل يتجدد مع كل قارئ جديد.
ذاكرة وطن
وبرزت مزرعة الشيخ زايد في الخوانيج كونها أحد أكثر المشاهد الثقافية في دبي توهجاً، بعد أن تحولت إلى فضاء نابض، يزاوج بين إرث المكان وروح الابتكار، فقد شهدت المزرعة هذا العام إطلاق مبادرة ثقافية واسعة النطاق، استثمرت سيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في استلهام قيم الزراعة، والكرم، وصناعة المعرفة، لتصوغ من الحقول مسرحاً حياً يروي ذاكرة وطن، ويستشرف مستقبله.
وتدفق الزوار إلى المزرعة ليجدوا أنفسهم في قلب حكاية، تتناغم فيها الفنون مع التراث، ومعارض تشكيلية تستلهم خطوطها من ظلال النخيل، وعروض سردية تستعاد فيها قصص البدايات، وورش عمل تجمع الأطفال والشباب حول مهارات الأرض.
وشهدت دبي حراكاً مسرحياً نابضاً بالحيوية، ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب، حيث تحولت المسارح والمراكز الثقافية إلى منصات للإبداع والتجريب، وتضمن البرنامج عروضاً مسرحية شبابية، تعكس قضايا المجتمع وطموحات الجيل الجديد، وورش تدريب متخصصة في التمثيل، والإخراج، والكتابة المسرحية، بإشراف فنانين محترفين.
وخلال ديسمبر الجاري احتفت ندوة الثقافة والعلوم في دبي بالفائزين في جائزة العويس للإبداع بدورتها التاسعة والعشرين، حيث كرمت الشيخة الدكتورة شما بنت محمد بن خالد آل نهيان شخصية العام الثقافية، بحضور نخبة من القيادات الثقافية والمثقفين، وجاء التكريم تزامناً مع اختتام فعاليات مئوية الشاعر سلطان بن علي العويس، تأكيداً لدور الجائزة في دعم الفكر والثقافة والإبداع.