كاتبات إماراتيات يرسمن ملامح جديدة لأدب الطفل

لم تعد الكتابة للطفل ترفاً إبداعياً أو هواية أدبية، بل أصبحت فعلاً ثقافياً عميقاً يعيد تشكيل العلاقة بين الطفل والمعرفة، ويواكب التحولات المتسارعة التي فرضتها التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على عوالم الطفولة، وفي ظل هذا التغير، يبرز جيل من الكاتبات الإماراتيات اللواتي يعدن التفكير في القصة بوصفها أداة للدهشة أولاً، وللتعليم والاكتشاف ثانياً.

«البيان» التقت عدداً من الكاتبات اللواتي تكاملت رؤاهن في رسم ملامح جديدة لأدب الطفل الإماراتي، الأدب الذي يثير السؤال ولا يقدم الحقيقة جاهزة، بل يدعو القارئ الصغير لاكتشافها، في زمن أصبحت فيه الصورة أسرع من الكلمة.

شعاع الظنحاني
شعاع الظنحاني

وترى الكاتبة شعاع الظنحاني، المتخصصة في أدب الطفل واليافعين، أن طفل اليوم يحتاج إلى فكرة تشده للقراءة وموضوع يثير تفكيره وفضوله، لذلك تميل إلى الكتابة في مجال الخيال العلمي القائم على التكنولوجيا والخيال المبني على حقائق علمية.
وهذا اللون من الأدب، كما تقول، يجعل الطفل في رحلة بحث مستمرة وحالة من الدهشة والترقب، ويحفزه على استخدام تفكيره الناقد في تحليل القصة واستنتاج ما ستؤول إليه الأحداث.

وتوضح الظنحاني أنها تحرص على إيصال الفكرة بلغة واضحة وبسيطة قريبة من الطفل ومناسبة لفئته العمرية، مستخدمة لغة حسية ترتبط بتجاربه اليومية، لأن الكاتب الناجح، في رأيها، هو من يعرف كيف يخاطب عقل الطفل بلغة تنبع من عالمه.

وتؤكد أن الدهشة هي التي تدفع الطفل للبحث، لأنها تولد لديه سيلاً من التساؤلات، وتخلق رغبة داخلية في اكتساب المعرفة، فالتعلم الحقيقي لا يأتي من التلقين، بل من الشغف بالاكتشاف.

أما عن التكنولوجيا، فتقول إن طفل اليوم هو طفل الذكاء الاصطناعي، وهذه الأدوات أصبحت جزءاً من عالمه اليومي، فهي تمكنه من رؤية ما يتخيله واقعاً ملموساً. ومع ذلك، ترى الظنحاني أن المهم هو أن يتعلم الطفل كيف يستخدمها بوعي لتنمية خياله بدل أن تحده، مشددة على أن دور الكاتب هو توجيهه نحو الإبداع والاكتشاف لا الاستهلاك.

وتختم بقولها إن القصة التي تبقى في ذاكرة الطفل هي تلك التي يتمنى لو كان بطلها، لأنها تمس مشاعره وتلامس حياته الشخصية، وتتناول موضوعاً قريباً من قلبه بلغة سلسة وأسلوب ممتع يحمل قيمة إنسانية ورسالة مؤثرة تظل عالقة في الوجدان.

مستقبل الأدب

سعاد عبدالله الحمودي
سعاد عبدالله الحمودي

من جانبها، تؤكد الدكتورة سعاد عبدالله الحمودي، معلمة اللغة العربية وكاتبة في أدب الطفل، أن طريقة الكتابة تغيرت كما تغير القارئ نفسه؛ فالطفل اليوم يعيش في عالم رقمي سريع ومليء بالمغريات البصرية، ما يفرض على الكاتب أن يقدم محتوى شيقاً وجذاباً يحمل روح الطفولة من حيث النص واللون والرسم. وتشير إلى ضرورة المزج بين الواقع والخيال لجعل القصة تفاعلية، بحيث يشارك الطفل في صناعتها بدلاً من أن يتلقاها جاهزة.

وترى الحمودي أن أهداف الكتابة للطفل تتنوع بين التعليم والترفيه، لكنها في النهاية تلتقي في تعزيز القيم والمبادئ الحميدة. وتضيف أن الكاتب الجيد يكتب ليدهش الطفل، لأن الدهشة هي التي تفتح الباب أمام الفهم والاكتشاف، فحين ينبهر الطفل يبدأ في طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، وهذا هو جوهر التعلم.

وتصف العصر الحالي بأنه عصر التحول الرقمي، ما يستدعي من الكتاب مواكبة المتغيرات الجديدة، فالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، كما تقول، يساهمان في توسيع خيال الطفل ومداركه عبر القصص التفاعلية والألعاب الذكية والتطبيقات التي تسمح له بتشكيل شخصياته القصصية بنفسه.

وتؤمن بأن القصة التي تلامس مشاعر الطفل وتحتوي على شخصية قريبة من قلبه هي التي تبقى في ذاكرته، لأن الطفل يتذكر النغمة التي قرئت بها القصة والشعور الذي عاشه خلالها أكثر مما يتذكر أحداثها، فالمشاعر الصادقة تدوم أطول من الحكاية نفسها.

جسر للمستقبل

أنوار السلامي
أنوار السلامي

أما الكاتبة أنوار السلامي، المتخصصة في أدب الطفل والتراث، فتنطلق في رؤيتها من قناعة بأن الكتابة للطفل لم تعد مجرد متعة أدبية، بل هي رسالة تربوية وجمالية تحملها من أرضها وتراثها إلى عيون الجيل الجديد، موضحةً أن أدب الطفل يكتب بلغة بسيطة في ظاهره.

لكنه عميق في معناه، لأنه يحترم عقل الطفل ويخاطب قلبه معاً، ويقربه مما يحب، ثم يفتح له باباً إلى جذوره من خلال حكايات تنبع من الموروث الإماراتي وقيمه الأصيلة.

وترى أنوار أن هذه القصص تساعد الطفل على التمسك بهويته، وتجعله يفخر بحكايات أجداده التي تشكل ذاكرته الأولى، مشيرةً إلى أنها تكتب لتدهش الطفل وتعلمه في الوقت نفسه، إذ تؤمن بأن الدهشة هي التي تجذبه إلى القصة وتجعلها وسيلة للتفكير والاكتشاف.

وتقول السلامي إن الكاتب الجيد يخفي فكرته بين السطور ليكتشفها الطفل بنفسه، فيشعر بالمتعة والفهم معاً، لأن الطفل لا يحب النصائح المباشرة، بل يتأثر بالمواقف التي يراها داخل القصة.

وتحذر من تأثير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في خيال الطفل إذا استخدما بلا وعي، لأن هذه الأدوات تقدم له صوراً جاهزة قد تضعف خياله وتقلص مساحة الإبداع، أما القراءة فهي تمنحه حرية تخيل الأبطال والأماكن والأحداث بطريقته الخاصة، فينمي خياله وقدرته على الإبداع.

وتؤكد أن ما يبقى في ذاكرة الطفل ليست الكلمات وحدها، بل المشاعر التي سكنت قلبه عبر القصة؛ فهو يتذكر الشخصية التي أحبها والموقف الذي جعله يضحك أو يخاف، والحكمة التي اكتشفها بنفسه، والقصة التي تترك أثراً هي تلك التي تمنحه حلماً صغيراً وتشجعه على الإيمان بقدراته.

مرآة الواقع

فاطمة العليلي
فاطمة العليلي

الكاتبة فاطمة العليلي، المتخصصة في أدب الطفل واليافعين والثقافة المالية، ترى أن الكتابة للطفل يجب أن تواكب اهتماماته الواقعية والتقنية، ليجد نفسه في ما يقرأ، فهي تحرص على جعل القصص قريبة من عالمه الحقيقي، مما يساعده على التفاعل معها وفهمها بسهولة.

وتقول إنها توازن دائماً بين الإمتاع والفائدة، مقدمة رسائل تربوية ومعاني عميقة بأسلوب مشوق بعيد عن الوعظ المباشر، حتى يشعر الطفل بالدهشة والمتعة أثناء القراءة.

وترى العليلي أن القصة تبقى في ذاكرة الطفل عندما تعكس واقعه وتلامس مشاعره وتساؤلاته، فيجد فيها نفسه وتجربته، فتتحول من نص يقرأ إلى ذكرى تعاش، لأن القصة الحقيقية، كما تقول، ليست تلك التي تروى للطفل، بل التي يعيشها ويستخلص معناها بنفسه.