اختتم موسم أصيلة الثقافي الدولي الخامس والأربعون فعاليات الدورة الخريفية، التي جاءت بعد دورة صيفية اتسمت بطابع الفنون التشكيلية والجداريات التي زينت المنطقة القديمة من المدينة. وتميز حفل اختتام هذه الدورة، التي نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والاتصال المغربية (قطاع الثقافة) وبلدية أصيلة، بتوزيع الجوائز على العديد من الفاعلين الثقافيين والجمعيات والمبادرات البيئية، تقديراً لجهودهم في تعزيز الثقافة وتشجيع العمل التطوعي والحفاظ على البيئة.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أن هذه النسخة من الموسم حققت نجاحاً كبيراً نظراً لبرنامجها الغني بالندوات الفكرية والأنشطة الثقافية، مشيراً إلى أن هذا الحدث يعزز تبادل الأفكار والمعارف، ويساهم في تعزيز إشعاع مدينة أصيلة على المستويين الوطني والدولي.
وأشار إلى أن هذه الدورة تميزت بحضور العديد من الفعاليات السياسية والعلمية والأدبية، بالإضافة إلى شخصيات بارزة من أركان العالم الأربعة، مبرزاً أن القضايا التي عالجتها مختلف الندوات خلال هذه الدورة تتماشى في جزء منها وتطلعات المغرب، تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
ندوات وورش متنوعة
وناقشت ندوات موسم أصيلة الثقافي الدولي، ضمن فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، قضايا «أزمة الحدود في أفريقيا: المسارات الشائكة»، و«النخب العربية في المهجر: التحدي القائم والدور الممكن»، و«الحركات الدينية والحقل السياسي: أي مصير؟»، و«قيم العدالة والنظم الديمقراطية».
وبالشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد تم تنظيم ندوتين، الأولى حول موضوع «الذكاء الاصطناعي.. أي حكامة في أفريقيا في عصر الرقمنة»، و«شمولية الثقافة وانخفاض اللامساواة في توظيف الموارد الثقافية».
وكما جرت العادة، في دورات الموسم السابقة، تم تنظيم مشاغل الفنون التشكيلية بمشاركة فنانين من المغرب والبحرين والسنغال وسوريا وبلجيكا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وإقامة معارض ومحترفات فنية ومشاغل موجهة للأطفال والكبار.
الأشعري في خيمة الإبداع
وعلى المستوى الثقافي، احتفت «خيمة الإبداع» بالكاتب المغربي محمد الأشعري وهو شاعر وأديب وسياسي وصحافي قبل أن يكون وزيراً للثقافة، وكان الاحتفال الذي حمل عنوان «محمد الأشعري.. سيرة قلم» توزع على ثلاث جلسات في يوم تكريمي طويل، أقامته مؤسسة منتدى أصيلة في قاعة مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بالمنطقة القديمة لمدينة أصيلة. وتعاقب على الحديث عن الشخصية المكرمة أكثر من 20 كاتباً وباحثاً. وتناول خلاله المتحدثون سيرة ومسيرة مثقف جمع بين خيال الأدب وفراسة الصحافة وواقعية السياسة، إذ طبع حقبة من زمن المغرب الثقافي والسياسي، قبل أن يخلد اسمه بدواوين وروايات وقراءات جعلت من محمد الأشعري، مثقفاً وأديباً بأوجه متعددة.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أن «خيمة الإبداع» تحتفي في دورة هذا العام بسيرة أديب لامع وكاتب صحفي مقتدر، معتبراً أن المثقف الألمعي والشخصية الفذة المحتفى بها جمعت من كل فن طرفاً، فهو الشاعر والمبدع الروائي والقصصي، وهو الكاتب الصحفي الذي انفرد بأسلوبه، وهو العاشق للفنون البصرية.
وأشار بن عيسى إلى أن تكريم الأديب محمد الأشعري، بحضور صفوة من حملة القلم وعشاق الأدب، هو اختيار «ذو بعد ثقافي وأخلاقي، نكرم في شخصه قيم الإبداع من جهة، ومبادئ الالتزام الفكري من جهة ثانية»، موضحاً أن المؤسسة جمعت الشهادات المقدمة في حق المحتفى به خلال «خيمة الإبداع» في كتاب حمل اسم «محمد الأشعري، سيرة قلم».
بدوره، وصف الكاتب والإعلامي ورئيس جلسة خيمة الإبداع، عبد الإله التهاني، أن الأشعري مبدع في عدة «خيمات» وحاز بكتاباته عدة ألقاب ذات حمولة ثقافية مميزة، هو مبدع بأوجه متعددة في عدة أجناس من الكتابة، مبرزاً أن «قصائده شغف مستمر بالحياة والحرية، واحتفال مدوّ بانتصار التضحيات».
وأضاف التهاني قائلاً: إن الأشعري راهن، عبر دواوينه الأحد عشر، على النثر لإنتاج بلاغة شعرية مغايرة تقوم على التجريب في اللغة والاستعارة، موضحاً أن أعماله الروائية، التي بلغت ست روايات، تكشف عن قدرة إبداعية خلاقة وخيال واسع ينبش في مرحلة عاشها من الداخل، وكان واحداً من شهودها والفاعلين في سياقاتها الثقافية والسياسية والإعلامية والمدنية.
أما الناقد والباحث الأكاديمي، عبد الفتاح الحجمري، فقد ركز على محمد الأشعري الكاتب المسرحي، الذي أنتج نصين مسرحيين بعنوان «عيون زجاجية» و«شكون انت؟»، حيث شرح في المسرحية الأخيرة بعين الأديب المتجرد تناقض السلطة، من خلال شخصية بطل المسرحية، رمسيس، ذي الشخصية الغامضة والمركبة، موضحاً أن الأديب اختار الكتابة هنا بـ «دارجة مغربية قوية ومتينة وصافية وتحمل أكثر من دلالة».
من جهته، نثر الناقد والباحث في الأدب واللغة والثقافة، عبد الحميد عقار، شذرات، من بحثه حول رواية «جنوب الروح» للأشعري والتي تشكل، إلى جانب روايات أخرى، من وجهة الناقد، «بداية لحظة تحولية في مسار الرواية العربية»، مبرزاً «بلاغتها الأدبية وبناءها السردي وجماليتها اللغوية».
أما الكاتب الصحفي والباحث والمترجم، لحسن عسيبي، فتطرق إلى الكتابة في بعديها السياسي والصحفي لدى محمد الأشعري الذي ينتمي للجيل الناهض الذي «يؤطره قلق الوعي الشقي في أفق الإصلاح»، مبرزاً أن الأشعري «انتصر بوعي منذ بداية كتاباته، لأنه اعتبر أن الكتابة بمثابة وثيقة في التاريخ عبر الأدب».
بدورها، تناولت الروائية والناقدة والباحثة الأكاديمية، زهور كرام، الحالة الأدبية السردية في رواية «من خشب وطين»، معتبرة أن هذه الرواية هي دعوة للتفكير في التحولات السياسية والمجتمعية والاقتصادية للمغرب، وأيضاً للتفكير في تحول نظرية السرد الروائي.
من جانبها، كشفت الباحثة حورية الخمليشي عن تجاور الشعرية والسرد في أعمال محمد الأشعري، مشيرة إلى أن هذا الكاتب المبدع أكسب القصيدة سحر السرد، كما أضفى بالمقابل على رواياته مسحة شعرية مبدعة.
وأكد الأشعري، في كلمة له بالمناسبة أن «خيمة الإبداع» هي فعالية تركز من خلالها مؤسسة منتدى أصيلة على إبراز التجارب الأدبية والعلمية والفنية في المغرب والاحتفاء بها، مشيداً بالعمل الدؤوب والمستمر للمؤسسة التي أسدت خدمات كبيرة للثقافة المغربية، وما حققته من تراكم في الدراسات والأبحاث حول المشهد الثقافي والفني بمختلف تجلياته وتعبيراته.
افتتاح معهد للموسيقى الشرقية
وضمن فعاليات الدورة الخريفية، افتتح في المنطقة القديمة بمدينة أصيلة، معهد البحرين للموسيقى الشرقية، حيث قص شريط الافتتاح مستشار ملك البحرين لشؤون العالم نبيل يعقوب الحمر، وأمين عام مؤسسة منتدى أصيلة محمد بن عيسى، بحضور عدد من الشخصيات البحرينية والمغربية والمشاركين من مفكرين ومبدعين وإعلاميين من أقطار مختلفة في فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الخامس والأربعين، الذي ينظم تحت الرعاية السامية للعاهل المغربي الملك محمد السادس.
وأقيم «معهد البحرين للموسيقى الشرقية» برعاية ودعم عاهل مملكة البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بعد أن تم توفير المكان المخصص من قبل مؤسسة منتدى أصيلة. وجرى وضع حجر الأساس للمعهد ضمن فعاليات الدورة 42 لموسم أصيلة.
ويستهدف هذا المعهد تأهيل الموسيقيين الشباب من مدينة أصيلة، فضلاً عن جهة طنجة- تطوان -الحسيمة، ويتضمن برنامجه التعليمي تدريس قواعد الموسيقى عموماً والشرقية خصوصاً، بما في ذلك أصول وتطور هذه الموسيقى العربية والمغربية؛ كما سيتلقى طلبته دروساً في القواعد والآلات والمؤثرات الموسيقية والصوتية الأخرى.




