خدعة "النعي المعكوس"..هل حوّل كتاب مورغان هاوسل الإرث إلى أداة مالية لـ "بيع" السعادة؟

شهدت الساحة المالية العالمية في السنوات الأخيرة تحولاً جذرياً في فهم العلاقة بين المال والسعادة، ولم يعد النجاح يقاس بأرصدة البنوك فحسب، بل بعمق التجربة البشرية.

في خضم هذا التحول، برز مورغان هاوسل، الشريك في "كولابوراتيف فاند" والمحلل المالي المعروف، كأحد أبرز مهندسي الفلسفة المالية الحديثة.

بالإضافة إلى مكانته كشريك، يحمل مورغان هاوسل رصيداً صحفياً مميزاً، حيث حاز على جائزة جيرالد لوب مرتين عن كتاباته في التمويل والأعمال، بالإضافة إلى جائزة نيويورك تايمز "بيست سيلر" مرات عديدة.

سر تأثيره إلى تجاوزه اللغة الأكاديمية الجافة؛ فهو لا يكتفي بعرض الأرقام، بل يعتمد على السرد القصصي الساحر والحكايات التاريخية ليُجسد المفاهيم المعقدة، مقدماً 19 قصة قصيرة في كتابه "سيكولوجية المال" استكشف فيها الطرق الغريبة التي يفكر بها الناس في المال.

هذا الأسلوب القصصي هو ما مكنه من ترجمة المفاهيم المالية إلى "مهارات ناعمة" (Soft Skills) يسهل على أي شخص، بغض النظر عن خلفيته التعليمية، تطبيقها في حياته اليومية.

وقد رسّخ هاوسل مكانته كأيقونة فكرية بكتابه الذي حقق نجاحاً مدوياً، "سيكولوجية المال" (The Psychology of Money)، الذي تجاوزت مبيعاته 4 ملايين نسخة عالمياً وتُرجم إلى عشرات اللغات منذ صدوره عام2020.

لم يركز هاوسل في هذا العمل الضخم على التعقيدات الرياضية، بل على أن النجاح المالي ليس وليد الذكاء أو الكفاءة الأكاديمية، بل هو نتاج السلوكيات الإنسانية وكيفية إدارتنا لمشاعرنا ومعتقداتنا تجاه المال، مؤكداً أن "القدرة على تحقيق النجاح المالي لها علاقة أقل بمدى ذكائك وأكثر بمدى تصرفاتك."

في امتداد لهذا التناغم السلوكي، يطرح هاوسل، في سياق كتابه الأخير "فن إنفاق المال" (The Art of Spending Money)، تمريناً غير مألوف يقارنه في منهجه بالمنهج الصارم الذي يتبناه المستثمر الأسطوري وارن بافيت،وهو تمرين "النعي المعكوس".

يصف هاوسل هذا التمرين بأنه "كئيب بعض الشيء"، لكنه يهدف إلى "كتابة النعي الذي ترغب في أن يُقال عنك بعد رحيلك، ثم محاولة عيش حياتك بما يرقى إلى محتواه".

وقد كان بافيت قد أوصى بهذا المنهج في رسالة للمساهمين عام 2022، مشدداً على أهمية تحديد الإرث المرغوب مبكراً والتصرف وفقاً لأحكامه. وبالنسبة لهاوسل، فإن هذا التمرين هو المقياس الأسمى للإرث، فما لم يكن يستحق أن يُذكر في سجلات الشرف بعد الممات، فهو لا يحمل قيمة حقيقية في الحياة.

يؤكد هاوسل أن الإنفاق، على غرار إدارة الثروة، ليس عملية علمية تُختزل في الأرقام، بل هو فن خالص لا يتأتى بنهج "مقاس واحد يناسب الجميع". ويشدد على أن الحكم على النجاح المادي بالسيارات الفارهة، والسلع الكمالية، وحجم المتابعات الافتراضية هو حكم سطحي وعابر.

ويوضح أن الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تنحصر نفقاتهم في الماديات، لم يدركوا بعد الدروس الحياتية الأكثر عمقاً،ويقول: "عندما تُنجز هذا التمرين"كتابة النعي المعكوس"، تدرك على الفور الأشياء التي لن تكترث لها إطلاقاً: حجم راتبك، مساحة منزلك، تواتر شرائك لسيارة جديدة، أو الوجهات التي قصدتها في عطلاتك. كل ذلك لا يهم إطلاقاً."

فما يهم فعلاً، كما يتمنى لنفسه، هو أن يُوصف بـ "الزوج الصالح، والأب الجيد، والصديق المُحب الذي ساعد مجتمعه والمحتاجين."

تجد هذه الفلسفة صدى لدى قادة آخرين في عالم المال والتقنية؛ فالمؤسس العملاق لشركة أمازون، جيف بيزوس، اتبع منهجاً مشابهاً عندما اتخذ قراره المفصلي بترك وظيفته المريحة والمجزية مالياً ليؤسس شركته.

فكما شرح بيزوس في مناسبات سابقة، فقد أراد أن "يُسقط نفسه إلى سن الثمانين، ثم ينظر إلى الوراء في حياته، ليضمن أنه قد قلل عدد الندم إلى أدنى مستوى ممكن."

وفي الختام، يُرسخ مورغان هاوسل فكرة أن الهدف الأسمى من المال هو شراء الحرية والتحكم في الوقت، وليس الماديات، مُعلناً أن الإرث هو العملة الوحيدة التي لا تخسر قيمتها مع مرور الزمن.