من وراء "أوقات ماضية" التى حطمت الأرقام القياسية بـ21 مليون دولار؟

في قلب معرض استعدادي جديد وكبير في لندن، تستقبل لوحة "مدرسة الجمال، مدرسة الثقافة"  لرسامها الأمريكي كيري جيمس مارشال الزوار بحجمها الهائل الذي يتجاوز أبعاد المشاهدة التقليدية.

فبطول تسعة أقدام وعرض 13 قدماً، لا تكتفي اللوحة بإبهار العين؛ بل تدعو المشاهدين للدخول إلى عالمها الصاخب الذي يحمل في طياته ما هو أعمق بكثير من مشهد صالون تجميل عادي.

يقول مؤرخ الفن مارك غودفري، القيّم على المعرض، إن حجم اللوحة الضخم هو ما يسمح لها "بمنافسة الأعمال في المتاحف الكبرى"، مؤكداً أن "اللوحة لها حائط خاص بها" في المعرض ويمكن رؤيتها من مسافة 60 متراً.

يُعد مارشال واحداً من أبرز الفنانين الأحياء في العالم، وقد حطم في عام 2018 رقماً قياسياً عندما بيعت لوحته "أوقات ماضية" (Past Times) بمبلغ 21.1 مليون دولار، وهو مبلغ تاريخي لعمل فني لفنان أمريكي من أصول أفريقية على قيد الحياة.

ويُعد المعرض المقام حالياً في الأكاديمية الملكية، الأكبر من نوعه في أوروبا، وقد انهالت عليه الإشادات النقدية التي وصفته بـ"المذهل" و"العبقري".

اللوحة، التي أُنجزت عام 2012، تقدم مشهداً حيوياً ومألوفاً لصخب صالون تجميل، لكنها في الحقيقة كنز دفين من الإشارات الفنية والثقافية.

فكل زاوية في اللوحة مليئة بإشارات رمزية، من شخصيات ديزني إلى أعمال هولباين.

ففي مقدمة اللوحة، يظهر تصوير مشوه (تأثير المنظور التشوهي) لشخصية الأميرة "الجميلة النائمة" من ديزني، وهو تفصيل يشير مباشرة إلى لوحة "السفراء" لـهانز هولباين الابن، حيث كانت توجد جمجمة مشوهة في أسفل اللوحة.

المطاردة

يقول غودفري: "إذا كان هولباين يفكر في كيف أن حياتهم تطاردها فكرة الموت، فإن مارشال يستخدم هذه الفكرة للتفكير في كيف أن معايير الجمال الأبيض قد تتسلل إلى صالون التجميل".

كما قام مارشال بتضمين مرايا في جميع أنحاء اللوحة، في إشارة ذكية إلى أعمال فنية تاريخية مثل لوحة "صورة أرنولفيني" لـيان فان إيك و"لاس مينيناس" لـدييغو فيلاسكيز.

ففي لوحة مارشال، بينما تقف المرأة في الوسط للتصوير، تكشف المرآة الموجودة خلفها عن وميض كاميرا مصور يرفع ذراعيه، مما يضيف طبقة أخرى من الحوار البصري.

على غرار الرسامين العظماء الذين سبقوه، يحول مارشال الحياة اليومية إلى أعمال فنية خالدة، ولكنه يفعل ذلك بطريقته الخاصة. فبينما كانت لوحات القرن التاسع عشر تصور مشاهد المقاهي الباريسية، يختار مارشال أن يملأ لوحته بشخصيات من أصحاب البشرة السوداء فقط.

يقول مارشال: "أنا مهتم بخصوصية صالونات التجميل وصالونات الحلاقة للسود، لأن هذا هو مكاني وهذا هو أنا".

ويضيف أن هذه الأماكن هي أكثر من مجرد فضاءات عادية، فهي "جزء من الحياة العادية ومكان للسحر الشفائي" حيث "يخرج الناس منها وقد تحولوا".

تتواصل لوحة "مدرسة الجمال" بشكل مباشر مع عمل سابق لـمارشال، هو لوحة "دي ستايل" (1993)، التي تصور صالون حلاقة.

وقد استلهم مارشال ألوانها وترتيبها من حركة الفن الهولندي التجريدي "دي ستايل".

ولكن الأبرز هو إشارة الحلاق مما يؤكد أهمية هذه المؤسسات كأماكن ذات طابع شبه مقدس في المجتمع الأسود.

الأسود الصميم

أكثر ما يميز أعمال مارشال في المعرض، بما في ذلك لوحة "مدرسة الجمال"، هو أن كل شخصية في اللوحات مطلية بدرجة عميقة من اللون الأسود.

يقول مارك غودفري إن هذا الاختيار يجبر المشاهدين على التفكير في "وجود الأشخاص السود داخل اللوحات الكبيرة الحجم"، مشيراً إلى أن هذا النهج الفني بدأ في الستينيات والسبعينيات، عندما قرر مارشال أن يصنع شخصيات سوداء "حرفياً".

ويوضح مارشال أن نهجه في رسم الشخصيات السوداء تطور، ففي لوحة سابقة له عام 1980، كان السواد أحادي البعد.

لكنه الآن يضيف ثراءً بصرياً متزايداً للبشرة، قائلاً: "تبدأ بالأسود ثم تعمل من هناك لبناء أكبر قدر ممكن من التعقيد بجعل الألوان أغنى وأكثر تعقيداً".

ويختتم مارشال فلسفته الفنية بالقول إن الشخصيات في لوحاته خيالية، فهي "ولدت سوداء، إنها شخصيات ملهمة بشكل أساسي في التاريخ الأمريكي الثقافي والاجتماعي."