احتضن اليوم الثاني من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما ندوة فكرية معمّقة بعنوان «تجارب ريادية عربية في المونودراما»، جمعت بين اثنين من أبرز وجوه المسرح العربي: الفنان السوري زيناتي قدسية والفنان اللبناني رفيق علي أحمد، والكاتبة الكويتية فتحية حداد التي تناولت تجربة الممثل الكويتي الراحل عبدالعزيز الحداد، وأدارها الناقد المسرحي الدكتور عجاج سليم، الذي قدّم اللقاء برؤية فلسفية أضاءت على جوهر هذا الفن، حيث بدأت الندوة بعرض مرئي وثائقي تناول المسيرة الإبداعية للفنانين في الندوة.
وقد شكّلت الندوة، بما تضمّنته من شهادات وأسئلة ونقاشات، فضاءً فكرياً نابضاً أعاد الاعتبار للمونودراما كفن لا يزال في طور البحث، لا بوصفه «عرضاً منفرداً»، بل بوصفه مختبراً لرؤية الذات في لحظتها العارية، وصوتاً جريئاً في مسرح عربي يفتّش عن ذاته في المرايا المكسورة.
وطرح الفنان زيناتي قدسية جملة من الأسئلة الجوهرية حول مفهوم «الآخر في المونودراما: من هو المتلقي؟» موضحاً أن «نص المونودراما لا ينهض فقط من الحدث، بل من التوتّر الكامن في التجربة، ومن الأسئلة التي تظل مفتوحة بلا إجابات، واعتبر أن هذا الفن، في شكله الأكثر صدقاً، لا يسعى إلى تمثيل الواقع، بل إلى مساءلة الذات فيه، وتفكيك علاقتها بالعالم واللغة والذاكرة.
دور المونودراما
من جانبه، تحدّث الفنان القدير رفيق علي أحمد من موقع التجربة الطويلة، مستعيداً بداياته من الهامش الاجتماعي، حين قادته المصادفة والفقر إلى المسرح، بعد أن كان يحلم بالغناء والموسيقى، وعبّر عن شعوره بالحزن بعد أكثر من نصف قرن في العمل المسرحي، مشككاً بجدوى ما قدّمه، أمام جمهور يمارس نوعاً من الانفصام بين صورته المتمدنة كجمهور مسرحي، متناولاً تجربته الخاصة في لبنان، متسائلاً «هل ما قدمته طوال مسيرتي قد ذهب هباءً؟».
وأثار أحمد، نقاشاً عميقاً حول طبيعة المونودراما متسائلاً: هل هي دراما الذات؟ أم دراما المجتمع مكسورة على مرايا الداخل؟ هل المسرح مقدّس؟ أم أنه فضاء للتحرر من قداسة الزيف؟
لحظة وفاء
وخصّصت الندوة لحظة وفاء للفنان الكويتي الراحل عبدالعزيز حداد، أحد رواد المونودراما في الخليج، حيث قدّمت الكاتبة فتحية حداد شهادة مؤثرة استعرضت فيها تجربته الريادية.
مداخلات
كما طرحت المداخلات لاحقاً تصوراً للمونودراما كفن يشتبك مع الواقع من خلال «المنفرد»، لكنه لا يُختزل في الذات، بل يكشف توترها مع الجماعة، مع الذاكرة، مع القيم السائدة، وحتى مع اللغة ذاتها. وأجمعت الطروحات أن هذا الفن قادر على إنتاج أثرٍ هادئ ومستمر يشبه أثر الفراشة، يتسلل إلى الوعي بعيداً عن صخب العروض الجماعية، ويترك ندبة صغيرة لا تُمحى.
عروض مسرحية
في إطار المسابقة الرسمية قدمت عروض مسرحية من جمهورية مصر العربية «بعنوان ودارت الأيام» مونودراما تنبض بالوجع في سردية امرأة مخدوعة تأخذنا الكاتبة أمل فوزي، والمخرج فادي فوكيه، في رحلة داخل ذاكرة امرأة، تجسدها ببراعة الفنانة وفاء الحكيم، في عمل يروي مأساة امرأة في العقد السادس من العمر تصدم بخبر وفاة زوجها، لتكتشف أنه كان متزوجاً من أخرى دون علمها، ولحظة الحقيقة تفتح أبواب الذاكرة المثقلة بالخذلان، لسرد محطات مؤلمة، في لحظة مراجعة وجودية تتساءل فيها إن كانت هي المخطئة؟ ويستمر الصراع الداخلي في مشاهد تتقاطع فيها الأسئلة مع الأحلام الضائعة.
شرخ في جدار الزمن
كما قدمت مملكة البحرين عرضاً مسرحياً بعنوان شرخ في جدار الزمن عن قصة للدكتورة جميلة الوطني تأليف وإخراج محمد الحجيري، وأداء الفنانة إلهام علوي في تجربة مونودرامية أنثوية تطرح سؤال الذات في لحظة مواجهة مع الفقد والحنين، العرض يتحدث عن «زينب»، امرأة تستدعي ذكرياتها مع من تحب وتتحدث عن الألم والخذلان والتفاوت الطبقي والاختلاف العقائدي الذي حكم علاقتها مع الشاب خالد فحرمها تحقيق حلم الزواج منه وإنجاب طفل.
قامت الفنانة إلهام علوي في إيصال المشاعر والانفعالات، حيث تنوع العرض الإيقاعي، وأبقى الجمهور في حالة مستقرة، حيث جهدت الفنانة علوي، لجعله يتواتر ضمن خط بياني مختلف الترددات.