كثيرون داعبت الأحلام مخيلاتهم، فسعوا إلى تحقيقها، وأطبقوا أيديهم عليها، لكنَّ القليلين من وثقوا سيرة مغامراتهم المدهشة في هذا الطريق، وصنعوا من تحدياتهم فصولاً تمسك أطراف بعضها ببعض، مشكِّلة قصة تحفل أحداثها بالروعة، وترسم للسائرين منهجاً لالتقاط الأحلام.
المصور الإماراتي الشاب منصور المنصوري كان أحد أولئك الذين عُنوا برصد حكاياتهم في سبيل غاياتهم المنشودة، فلم يقنع بتسجيل يومياته المحفورة في ذاكرته، بل صاغ تجاربه دروساً خالية من التقليدية الباهتة، تنبض بسحر الأسرار والتفاصيل المفعمة بالمشاعر.
ومن بدايات قصته مع المونتاج، مروراً برحلاته لتصوير المدن المختلفة، ثم تنقله بين برامج التدريب ومشاركاته التطوعية، حتى بلوغه درجات من النجاح والتفوق في مجال هوايته، يسرد المنصوري، خلال 93 صفحة، رؤاه الملهمة وإنجازاته المحفزة، تحت عنوان لافت مثير للجدل.. «لن أعلمك التصوير».
ويكشف منصور المنصوري رؤيته لأبعاد العلاقة بين الموهبة الربانية في إبداع التصوير والجوانب المكتسبة في تعلُّمه، موضحاً أن الموهبة هي الشرارة الأولى، لكن العلم والممارسة هما الوقود الذي يحافظ على استمرارها.
ويبيّن تصوره تجاه ثنائية الموهبة والتعلُّم وما تشكِّله من قيمة كبرى تدفع المصور إلى احتراف هذا الفن الإبداعي، قائلاً: «الموهبة وحدها لا تكفي إن لم تتغذَّ بالتجربة والتعلم المستمر.
أرى أن القيمة الأهم تكمن في الجمع بين الاثنين؛ فالموهبة تمنحك الحس الفني، والمعرفة تمنحك القدرة على تحويل هذا الحس إلى أعمال احترافية تصل إلى الناس وتؤثر فيهم».
شغف قديم
ويتحدث عن رحلته في عالم التصوير وخطواته الأولى التي سلكها في طريقه بدءاً من المونتاج، مؤكداً أن التصوير بالنسبة إليه لم يكن مجرد حلم، بل كان شغفاً يكبر معه منذ سنوات، وأن هذا الشغف ساعده على فهم الصورة المتحركة قبل الإمساك بالكاميرا.
ويقول: «لم أكن أعرف بالضبط إلى أين سأصل، لكنني كنت واثقاً بأن الإصرار والعمل الجاد سيفتحان أمامي الأبواب، وكل خطوة كنت أخطوها كانت تؤكد أن هذا الطريق هو مكاني الطبيعي».
لمسات الإبداع
ومن وحي القصص المشوقة التي خاضها في عالم التصوير، يرى أن أبرز الفروق الجوهرية بين المصور الذي يوثق المشهد العابر والمصور المبدع الذي يضع لمساته الإبداعية في الفيديو تكمن في أن الأول يكتفي بأن يكون ناقلاً للحدث، بينما المصور المبدع يعيد صياغة الحدث من خلال زاوية الرؤية، واختيار اللحظة المناسبة، واستخدام الإضاءة والحركة لحكاية القصة، مشيراً إلى أن اللمسات الإبداعية في الفيديو بالذات هي التي تحوّل اللقطات إلى تجربة بصرية تلامس المشاعر.
جودة وابتكار
ويتطرق المنصوري إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعايشها وما ربحه فن التصوير وخسره من هذه التقنية التي يعتقد أنها منحت المصورين أدوات قوية لتسريع العمل وتحرير الإبداع، من تحسين جودة الصور إلى ابتكار مؤثرات بصرية جديدة، مردفاً: «في المقابل، جعل الذكاء الاصطناعي المنافسة أصعب، وفتح الباب أمام إنتاج صور مذهلة دون الحاجة إلى مهارات حقيقية، وهذا قد يقلل من تقدير الجهد الذي يبذله المصور المحترف.
التحدي اليوم هو أن نستخدم هذه التقنيات أدوات مساعدة لا بديلاً عن العين البشرية والرؤية الفنية».
صبر واستمرار
ويختتم حديثه بنصيحة لهواة التصوير تقودهم إلى تجاوز التحديات التي قد تعتري طريقهم نحو الاحتراف والإبداع، منوهاً بأهمية الصبر والاستمرارية.
ويضيف: «أنصحهم ألا يقارنوا بداياتهم بإنجازات الآخرين. يتعلم المصور من أخطائه أكثر مما يتعلم من نجاحاته، والأهم أن يطور أسلوبه الخاص، وأن يلتقط ما يحبه حقاً. الإبداع لا يأتي من تقليد الآخرين، بل من التعبير عن رؤيتك أنت».

