تساؤلات كثيرة مثيرة للجدل، تطرح حول عملية الإبداع، ومنها هل من حق الكاتب أن يترك العنان لمخيّلته دون قيود؟ أم أن هناك رقابة داخلية ضرورية لتوجيهه وتنقيح أفكاره أثناء الكتابة، لتفادي الخطوط الحمراء، أو مصادرة العمل الإبداعي؟
تختلف الآراء في هذا الخصوص، إذ يرى البعض أن القيود تقتل الإبداع، وهناك من يرى أن الرقابة الذاتية ضرورة تفرض نفسها، خاصة في المجتمعات المحافظة، حتى يفلت المبدع من المنع أو المصادرة.
يؤكد القاص سمير الفيل، أن الرقيب الداخلي هو الذي يفرض نفسه على الكاتب، فيضيق عليه الخناق، ويطالبه مراراً بمراجعة مادته الأدبية، حتى لا يضار.
ويضيف: «في كل الأحوال، هناك مساحة للحرية، تتسع وتضيق، طبقاً لدرجة الحرية التي يتمتع بها المجتمع، بالإضافة إلى الشروط التي تفرض على الكاتب التخفيف من النبرة أو اللهجة أو اللغة المستخدمة».
ويتابع الأديب الحاصل على جائزة ملتقى القصة العربية عن مجموعته القصصية «دمى حزينة»: «هناك طرق للهرب من تلك الرقابة، تتبدى في استخدام المجاز، وتوظيف الرمز، والإسقاط الزمني، والذهاب لبلاد افتراضية، ووسائل أخرى، يكون الهدف منها الإفلات من سلطة الرقابة اللصيقة، التي تحد من حركة الكاتب واستقلاليته. والرقابة تتمثل في الثلاثي الشهير: السياسة والدين والجنس. وكل دائرة منها تخضع لآليات مختلفة عن العناصر الأخرى».
ويردف الفيل: «تهدف الرقابة الداخلية لعدة أمور، منها: منع حجب النص الأدبي، وتضييق الخناق عليه، للإفلات من القيود المفروضة على المجتمع الأدبي والفني والتشكيلي. لذا، رأينا في تاريخ الآداب نصوصاً مغرقة في الترميز، وأخرى أشبه باللوغاريتمات، وثالثة بلا معنى كلي تقريباً، وهكذا».
ويشير إلى أن الإبداع يتطلب يقظة الكاتب وتمكنه من أدواته».
ويختتم سمير الفيل: «أعتقد أن الموازنة في الكتابة تمكّن المبدع من صنع مناورة أدبية ناجحة. في كل الأحوال، زيادة الانشغال بما يسمى الرقيب الداخلي، قد يعني الشحوب الإبداعي، وهو خطر جسيم على الكاتب ومشروعه الفكري والجمالي».
في المقابل، يرى القاص والروائي شريف صالح، أن تحريم الإبداع بأشكاله المختلفة، له تأثير سيئ على الشعوب والمبدعين معاً.
ويتابع: «لسوء حظنا أننا نعيش وسط محيط يتفنن البعض فيه بـ«تكريه» الناس بالموسيقى والغناء والرسم والنحت والشعر والروايات والرقص، وفي ظن هؤلاء أن المجتمع الفاضل ينبغي أن يكون خالياً من هذه الفنون التي تبهج القلوب، وتأسر النفوس، وتلطف علاقة الحواس بالواقع القاسي»!
مبالغة
ويؤكد أن الإبداع ضد الرقابة المبالغة، لكنه ليس ضد الناس، فهو محاولة لاختبار طرق أفضل للحياة، واستكناه المشاعر الغامضة. هو كالطير لا يغني إلا إذا كان حراً في السماء وفوق كل سياج.
مع ذلك يعتقد صاحب رواية «حارس الفيسبوك»، أن ثمة ضرورات، تتطلب منه كمبدعٍ ألا يكون صدامياً، وغير مبالٍ بحساسية المجتمع تجاه معتقدات وتقاليد بعينها. وهنا في الخيال نجاة، وفي التلميح جمال يُغني عن تصريح. وهو ما يمارسه المبدع واعياً أو غير واعٍ.
مقتضيات
ويؤكد أنه ككاتب لا يستطيع أثناء فعل الكتابة أن يفكر كرقيب، حتى لو كان الرقيب اللغوي المختص بالفصحى والعامية، ورفع المبتدأ ونصب الخبر، موضحاً: دوري كله ينطلق من مقتضيات درامية وحيثيات جمالية. عليّ أن أرعى أصواتي السردية في فضاء النص.
