فيصل السويدي.. شغف بالسفر بحثاً عن حكايات الأساطير

فيصل السويدي خلال إحدى رحلاته
فيصل السويدي خلال إحدى رحلاته

الدكتور فيصل السويدي كاتب ورحالة إماراتي يتحدث 5 لغات ولا يكتفي بقراءة الأساطير، بل يسافر بحثاً عنها.

يرى في الجغرافيا حكاية، وفي كل قرية بعيدة فصلاً لم يكتب بعد، وفي كل شخص يلتقيه احتمالاً لبطل رواية قادمة.

يقول الدكتور فيصل السويدي لـ «البيان»: «جواز السفر الإماراتي فتح لي أبواب قارات مغلقة للبعض.

نحن في الإمارات نحلم ونحقق، ونسافر لا لنرى فقط، بل لنكتب ونعيش تفاصيل العالم كما لم نعشها من قبل».

في رحلاته المتواصلة، التي شملت أكثر من 61 دولة في آخر 3 سنوات، لم يكن يسعى خلف الأختام على جواز السفر، بل خلف الحكايات المخبأة بين الجبال، وفي زوايا المقاهي القديمة، وبين سطور التاريخ الشعبي المنسي.

هو كاتب، لا شاعر، لكنه يكتب كما لو كان يرسم مشهداً نابضاً بالحياة؛ فالقارئ في نصوصه لا يكتفي بالقراءة، بل «يرى ويسمع ويشم»، كما يقول دائماً.

زيارة خوسيه موخيكا

في إحدى رحلاته، قرر السويدي زيارة خوسيه موخيكا رئيس الأوروغواي الأربعين في الفترة من 2010 إلى 2015، ولم يطلب موعداً رسمياً، بل اتبع حدسه.

وقال: «كنا نعرف أنه يقيم في مزرعته من خلال اطلاعنا على أفلام وثائقية عنه وعن تاريخه، فانطلقنا للبحث عنه. أخبرنا جاره بأنه يشتغل في الزراعة في الصباح ويكون متفرغاً عادة في المساء.

عدنا لاحقاً، فوجدناه بانتظارنا، يستقبلنا بابتسامة عريضة. أهديناه تمراً وبعضاً من كتبي، وكان فرحاً بها. فشعوب أمريكا اللاتينية تقدر الهدايا الثقافية كثيراً، وتحدثنا معه بلغته «الإسبانية» التي أجيدها وقال لنا إن اللغة الإسبانية ثرية بالكلمات ذات الأصول العربية».

ويضيف: «كان بسيطاً، عفوياً، وشخصاً اجتماعياً.

وقد خرجت من اللقاء بقناعة راسخة بأن العظمة أحياناً تكون في البساطة وأن المظاهر ليست المعيار الحقيقي».

جسر ثقافي

ويؤكد السويدي أن وصول كتبه إلى مختلف دول العالم تم بمختلف الطرق، ففي الباراغواي لم يكن وصولها عبر قنوات رسمية فقط، بل عبر متابع على وسائل التواصل الاجتماعي نسق مع سفارة الباراغواي في أبوظبي وسهل وصول النسخ، ويقول: «اليوم، وسائل التواصل أصبحت جسراً ثقافياً حقيقياً، وخصوصاً حين تتقن لغة الآخر.

اللغة تفتح لنا آفاقاً وأبواباً ما كانت مفتوحة قبل». وعن روايته «القرية التي حلقت فوقها الملائكة» والتي وصلت إلى أربع قارات وترجمت حتى الآن إلى 12 لغة، والسبب يقول السويدي: «أولاً العلاقة التشاركية بين المؤلف والناشر، كنا نحرر ونسوق ونتناقش كفريق.

ثانياً، تعطش الآخر لنا ولثقافتنا، فالرواية تشبهنا ونابعة من بيئتنا، فهي تمد جسور التواصل مع الآخر اللاتيني.

ثالثاً، الفضل الكبير بعد الله سبحانه يعود للحراك الثقافي في إمارة الشارقة للترجمة وتحديداً هيئة الشارقة للكتاب ومنحة الشارقة للترجمة، التي قدمت دعماً كبيراً لا يمكن تجاهله».

ويسعى السويدي لاكتشاف الأماكن والناس والحكايات والأساطير، والخرافات، والتاريخ، والجغرافيا، وعن ذلك يقول: «الكاتب الحقيقي لا يتوقف عن الفضول المعرفي، والذي يتجلى في السفر إلى الوجهات غير الروتينية حيث أبحث عن المتفرد، عن الغريب وعن الجميل، وهذا يصب في مصلحة رواياتي بطريقة أو بأخرى.

أسعى لتقديم مادة تليق بالمتابع على وسائل التواصل الاجتماعي وتليق بالقارئ، وأنا أقول دائماً مازحاً لأي شخص التقي به ويحمل قصة مشوقة: «قد تكون بطل روايتي القادمة»».

أثر عميق

يذكر السويدي مواقف تركت فيه أثراً عميقاً، مثل صاحب فندق في كوستاريكا كان يمر عليه يومياً ليطمئن عن حاله، ويقول له: «في كوستاريكا نفتح قلوبنا وأبوابنا، حتى لو تضررنا، لا نتراجع».

وفي موقف آخر في أمريكا اللاتينية يقول السويدي: «لم أتمكن من الدفع ببطاقتي، فأصر أصحاب المحل أن يتكفلوا بالمبلغ.

هذا الاحترام المتبادل لا يشترى، بل يكتسب».

ويروي السويدي أنه عند إطلاق أحد كتبه في البرازيل حضر أشخاص من مدن أخرى لحضور هذا الإطلاق، كما أن مترجمة روايته إلى البرتغالية قالت له: «كنت أبكي مع الحزن، وأضحك مع الفرح أثناء الترجمة».

وهذه شهادة لا يراها مجرد مجاملة، بل دلالة على عمق التفاعل مع النص.

ويضيف: «أنا أنتمي لثقافتي واعتز بها كثيراً وأمد جسور التواصل إلى الثقافات الأخرى، تأثرت بالمدرسة اللاتينية كثيراً، خصوصاً الواقعية السحرية، وهذا يظهر في التنوع السردي، وفي التفاصيل التي تحمل ألواناً وروائح وأصواتاً من كل قارة».

وبالرغم من زياراته المتعددة، لا تزال هناك وجهات يحلم بها.

ويردف: «أحلم بزيارة كولومبيا، يقال إن لغتهم الإسبانية أنقى لغة على وجه الأرض، وإنها موطن للشعراء والأدباء والشعر جزء من حياتهم اليومية. كما أتوق لزيارة مدينة لاباز في بوليفيا، التي كتبت عنها قبل أن أزورها، حتى ظن البعض أنني عشت فيها».

ويختتم حديثه: «أحياناً نكتب عن مدن لم نزرها بعد، لكنها تسكن خيالنا... ونحن نعيش الحكاية قبل أن نحكيها».