ملتقيات نقاشية ترسم حالة من الشغف بالقراءة، وتفتح آفاقاً من حرية التعبير التي يتكامل خلالها النقد المتخصص مع الحوارات العامة، وتجتذب الفئات العمرية المختلفة.
وتقيم جسوراً من التواصل الفكري، الذي يغذي المجتمع، ويعزز حراكه الثقافي، وتتمحور حول إصدارات كثيرة، تنتمي إلى أصناف متنوعة من الأشكال الأدبية والكتابات الفكرية، كل ذلك في غياب شبه تام للأعمال الشعرية.
«البيان» استطلعت آراء مبدعين ونقاد حول أسباب ذلك المشهد اللافت، الذي افتُقد فيه الفن الأول للعرب، بعدما كان ديوان مآثرهم ومفاخرهم، والنغم الخالد الذي لا ينفكُّ يسكن نفوسهم، وينطق عن خواطرهم ومكنون ضمائرهم.
يرى الشاعر الإماراتي شهاب غانم، أن معظم ما يُنشر من دواوين شعرية فصيحة في الإمارات في العصر الحاضر، يتسم بالغموض، ويصعب فهمه، وأن النقاد لا يغامرون بالكتابة عما لا يفهمون، مشيراً إلى أن الشعر عموماً، كان في العصور القديمة يستحوذ على معظم النقد الأدبي والنقاش.
وقال غانم: «القصة والرواية والمسرحية، ترسخت في القرن العشرين فقط، وهذه الأنواع الأدبية عموماً، أسهل فهماً من الشعر، وأكثر وضوحاً، والشعر بطبيعته يميل إلى بعض الغموض»، لافتاً إلى أن الشعر في النصف الأول من القرن العشرين في العالم العربي، كان بعيداً عن الغموض، وظل كثير منه كذلك حتى يومنا.
وأضاف: «كتب في الشعر الكثير من النقاد الكبار، مثل طه حسين وميخائيل نعيمة ومحمد مندور وأنور المعداوي وعباس محمود العقاد وزكي مبارك وأحمد أمين ولويس عوض وإحسان عباس ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور.
وعبد القادر القط ورجاء النقاش وشكري عياد وجابر عصفور وعبد العزيز المقالح»، مؤكداً أنه ما زال هناك بعض الشعر الجميل في مختلف البلدان العربية، بما فيها الإمارات.
وعن الصعوبات التي تحول دون تناول أفكار الشاعر ومناقشتها موضوعياً، بعيداً عن الأحكام النقدية، كما هو حاصل في القصص والروايات، أكد أن النقد ينبغي أن يكون حول المضمون، معرباً عن رفضه القوالب الجاهزة، ومحاولة تطبيق المدارس النقدية الغربية والأجنبية على النصوص العربية، في تقليد أعمى.
سيرة وقصة
وأكدت أسماء صدِّيق المطوَّع رئيسة ومؤسِّسة «صالون الملتقى الأدبي»، أن مناقشة الأعمال الشعرية ممكنة، ولكنها ترجع إلى طبيعة الطريقة التي يتم بها طرح النقاش، داعيةً إلى تناول القصيدة في جلسات القراءة مع قصتها وسيرة الشاعر، ليكون النقاش أقرب إلى نفوس المناقشين.
ولفتت إلى أن الشعر يعتمد في المقام الأول على اللغة التي لا يتقنها كل أحد، سواء أكان فصيحاً أم نبطياً، مؤكدة أن الشعر حاضر في ضمير المجتمع الإماراتي، بدليل المسابقات الشعرية التي يتبارى خلالها الشعراء، ويتابعها قطاع عريض من الجماهير، كمسابقتي «أمير الشعراء» و«شاعر المليون» وغيرهما.
وقالت: «من الخطأ أن نهتم بشكل أدبي على حساب آخر، ولقد جرَّبنا في صالوننا الأدبي، مناقشة بعض الأعمال الشعرية، وحققت النقاشات نجاحاً كبيراً».
منوهةً بأن الشعر يشكِّل موروثاً عربياً يعتز به أهل الإمارات، لأنه جزء أصيل من ثقافتهم، وإن كانت الرواية استطاعت بعد انتشارها في المجتمع، أن تتغلغل فيه، وتستحوذ على النصيب الأكبر من الندوات والأمسيات.
ورأت أن الأفلام والمسلسلات التي تجتذب المشاهدين عبر الشاشات، كان لديها دور فعَّال في نشر الاهتمام بالروايات والقصص بصورة أكبر، لأن الناس يحبون الحكايات، ويميلون إليها أكثر، مضيفةً أن ارتباطهم بالقرآن الكريم، عزز هذا التوجَّه أيضاً، نظراً إلى اشتماله على أحسن القصص.
قوانين ومفاتيح
وأوضح الناقد الدكتور يوسف حطيني، المحاضر في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة الإمارات، أن الشعر غير عصيٍّ على النقاش، لكنَّ مفاتيحه أشد غموضاً من مفاتح السرد، مشيراً إلى أن للشعر عناصر معيَّنة، تدخل في عملية المناقشة، غير أنها أقلُّ ثباتاً من عناصر السرد.
وقال حطيني: «إذا أردنا أن نناقش رواية، نحضِّر أنفسنا لنتحدث عن الزمان والمكان والشخصيات والبيئة الزمانية والاسترجاع والاستباق، ضمن مجموعة محددات موجودة لدينا سابقاً، في حين أن الشعر يكاد يتفلَّت من القوانين السابقة»، مؤكداً أن من يناقش الشعر، لا تكون لديه وجهة نظر مبدئية، وذلك خلاف ما هو حاصل في الرواية.
وعن الفروق الجوهرية بين عمل المناقش والناقد الأدبي، بيَّن أن القراء ينقسمون نوعين: القارئ العادي، والقارئ المتخصص، موضحاً أن القارئ العادي، هو الذي يقرأ ليستمتع، لكنَّ الناقد يهدف من قراءته إلى رؤية الحديقة الخلفية للنص.
ولفت إلى أن الناقد لا يتمتع كثيراً بقراءة النص الأدبي، بقدر ما ينصبُّ اهتمامه على البحث عن نقاط القوة والضعف التي تتحكم في مدى جدارة العمل الأدبي بالقراءة، مشدداً على أهمية الجلسات التي تحفِّز الناس على القراءة بصورة أكبر.
